تشهد الساحة السياسية والدبلوماسية في واشنطن ودمشق زخماً متزايداً في الأسابيع الأخيرة، بعد صدور إحاطة رسمية عن لجنة في الكونغرس الأميركي حول إمكانية إقامة شراكة دفاعية مع الحكومة السورية الجديدة، تزامناً مع تباين الأنباء حول صحة اتفاق أمني سوري إسرائيلي مرتقب من عدمه.
إشادة بالخطوات السورية
وجاء في الإحاطة أن أعضاء في الكونغرس أثنوا على صمود السوريين في مواجهة عقود من الاستبداد، مؤكدين أن المرحلة الراهنة تتيح فرصة لإعادة صياغة العلاقات بما يخدم الاستقرار والأمن في المنطقة.
كما أبدوا ارتياحهم للإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية في مجال مكافحة تهريب السلاح والعمل على تفكيك ما سموه “دولة المخدرات”، معتبرين أن هذه الخطوات تعكس جدية في الانخراط بمسار جديد يتقاطع مع المصالح الإقليمية والدولية.
الإحاطة تضمنت كذلك دعماً لدمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن منظومة الأمن الفدرالي السوري بحلول نيسان/أبريل 2025، في إطار رؤية تهدف إلى إعادة ترتيب الخارطة الأمنية في البلاد تحت سلطة الدولة المركزية.
كما كلّفت اللجنة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بتقديم تقرير مفصل للكونغرس في شباط/فبراير 2026، يتناول ما تحقق من تقدم على صعيد هذه الشراكة الدفاعية، والتحديات التي قد تعيق تنفيذها.
جدل حول اتفاق أمني مع إسرائيل
وفي موازاة هذه التطورات، تداولت وسائل إعلام تقارير حول قرب توقيع اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل برعاية أميركية في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر المقبل، وهو ما نقلته صحيفة إندبندنت عربية عن “مصادر سورية رفيعة المستوى”.
لكن وزارة الخارجية السورية سارعت إلى نفي صحة هذه الأنباء، وأكدت عبر مكتب التنسيق والاتصال في إدارة الإعلام أن الحديث عن أي اتفاق من هذا النوع “منفي تماماً”.
كما شدد مدير إدارة الشؤون الأميركية في الوزارة، قتيبة إدلبي، حسب تلفزيون سوريا، على أنه لا يوجد أي لقاء مرتقب بين الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماعات نيويورك المقبلة.
وقبل أيام، التقى وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، في باريس وفداً إسرائيلياً، لمناقشة ملفات ترتبط بخفض التصعيد في الجنوب السوري، وتعزيز الاستقرار، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، إضافة إلى إعادة تفعيل اتفاق عام 1974.
وقد تمت هذه المناقشات بوساطة أميركية، في إطار الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إيجاد أرضية مشتركة تمنع الانزلاق نحو صراع جديد.
شراكة دفاعية قد تعيد سوريا إلى الواجهة
وفي تعليقه على ما نشر حول إحاطة الكونغرس، قال الباحث في مركز جسور، محمد سليمان، في حديث لمنصة سوريا 24، إن مجرد طرح فكرة الشراكة الدفاعية يعكس إدراكاً أميركياً بأن سوريا الجديدة بدأت تخرج تدريجياً من تبعات النظام السابق، وتمضي نحو إعادة تموضعها كدولة ذات حضور جيوسياسي مؤثر.
وأوضح سليمان أن مثل هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة تجعل سوريا طرفاً فاعلاً في معادلات الأمن الإقليمي، عبر بناء علاقات أمنية وتجارية مع محيطها، وهو ما يعزز مكانتها داخلياً وخارجياً.
وحذّر سليمان في الوقت ذاته من المبالغة في التوقعات، مشيراً إلى أن أي حديث عن اتفاقات أمنية مع إسرائيل ما زال مبكراً، في ظل غياب نية حقيقية لدى تل أبيب للالتزام بتفاهمات من هذا النوع، خاصة أنها ما تزال تدعم مجموعات مسلحة خارجة عن القانون في الجنوب السوري، إلى جانب استمرار انتهاكاتها العسكرية في القنيطرة والمناطق المحيطة بها.
ويرى سليمان أن الحكومة السورية أبدت رغبة واضحة في تحقيق الاستقرار وتجنب الدخول في صراعات جديدة قد تعطل جهود إعادة الإعمار، غير أن إسرائيل تنظر إلى هذا التوجه باعتباره نقطة ضعف، وتبني على أساسه قناعة بأنها ليست مضطرة في المرحلة الراهنة للدخول في اتفاقات ملزمة.
ويضيف أن انعكاسات هذه التحركات قد تمتد إلى ملفات أخرى، مثل عودة اللاجئين ورفع العقوبات الدولية، لكن جميعها تبقى رهناً بمدى مصداقية ما يُطرح وجديته على أرض الواقع، في ظل بيئة لا تزال مضطربة.
تحولات كبرى إذا مضت واشنطن بالشراكة
أما المحلل السياسي حمزة المحيمد، فقد اعتبر في حديث لمنصة سوريا 24، أن طلب اللجنة العسكرية في مجلس النواب الأميركي من وزير الدفاع تقديم إحاطة حول إمكانية شراكة دفاعية مع دمشق يمثل مؤشراً على تحولات كبرى قد تكون في مصلحة سوريا.
وأشار المحيمد إلى أن أهمية هذا الطرح تكمن في أن مصدره هو الكونغرس، الجهة التي تحدد بدرجة كبيرة ملامح السياسة الخارجية الأميركية.
وقال: “في حال تم التوصل فعلاً إلى اتفاق، فإن الجيش السوري سيستفيد من برامج تدريب متقدمة بإشراف الجيش الأميركي، إضافة إلى تمويل لوجستي واسع، ما سيمنحه قدرات جديدة ويغير من طبيعة التوازنات العسكرية في المنطقة”.
ولفت إلى أن مثل هذا الاتفاق لن يقتصر تأثيره على الداخل السوري، بل قد يعيد صياغة خارطة التحالفات العسكرية على مستوى الإقليم، عبر فتح قنوات جديدة للتعاون بين الجيش السوري ودول الجوار، وهو ما قد يضع حداً لحالة العزلة التي عاشتها دمشق في العقود الماضية.
وفيما يخص ما يُثار حول احتمال توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل، أوضح المحيمد أنه لم يصدر أي إعلان رسمي يؤكد ذلك حتى الآن، لكنه لا يستبعد إمكانية حصوله في مرحلة ما، نظراً لأهمية هذه الاتفاقات في ضبط الحدود ومحاربة الإرهاب، حتى وإن بقي الصراع السياسي قائماً بين الطرفين.
بين الآمال والحقائق
تطرح هذه التطورات تساؤلات عديدة حول مستقبل الدور الأميركي في سوريا، وما إذا كانت واشنطن بالفعل بصدد مراجعة مقاربتها التقليدية، من العقوبات والضغط، إلى الانخراط في شراكة أمنية وعسكرية مباشرة. كما يظل ملف العلاقة مع إسرائيل ساحة جدل مفتوحة، بين النفي الرسمي والتحركات الدبلوماسية غير المعلنة.
ومع أن الطريق لا يزال مليئاً بالعقبات، فإن إشارات الكونغرس الأخيرة تفتح نافذة جديدة أمام سوريا للعودة إلى المشهد الدولي من بوابة الشراكة الدفاعية، فيما تبقى احتمالات الاتفاق الأمني مع إسرائيل رهناً بمدى جدية الأطراف وقدرتها على تجاوز الحسابات الضيقة لصالح استقرار أوسع في المنطقة.