أكد نضال عبد القادر، متابع فرع الخطوط الحديدية في طرطوس، في حديث لمنصة سوريا 24، على أن الخطوط الحديدية في طرطوس، شريان أساسي يصل المرفأ ومصفاة بانياس بالداخل السوري، ويعزز انسيابية النقل والتجارة.
ولخص عبد القادر دور شبكة السكك الحديدية الحيوية في دعم الاقتصاد الوطني، في ظل جهود إعادة التأهيل التي تواجه تحديات كبيرة، من تدهور البنية التحتية إلى نقص الكوادر والقاطرات، فيما تبقى هذه الشبكة ركيزة استراتيجية لنقل الفيول والقمح، وربما مستقبلًا، لعودة قطارات الركاب إلى مسارها.
كشوفات دورية وصيانة إسعافية
وأضاف: “بالنسبة للبنية التحتية للخطوط الحديدية، فإن معظمها متهالكة نتيجة عدم إجراء الصيانات اللازمة خلال فترة سيطرة النظام السابق على المنطقة قبل التحرير، في حين أن الخط الواصل بين محطة طرطوس ومرفأ طرطوس، والمعروف بمنعطف المرفأ، فهو بحاجة لاستبدال كامل، بسبب اهتراء العوارض الخشبية المثبتة للخط الحديدي، وانجراف التربة على طرفي الخط، مما يجعله عرضة لأي جنوح (خروج القطار عن مساره) في أي لحظة”.
وأوضح عبد القادر أن “القطارات تسير حاليًا على هذا الخط بسرعات مخفضة جدًا، بهدف تفادي وقوع حوادث جنوح، وهو ما يؤثر سلبًا على الكفاءة التشغيلية والزمن اللازم للنقل”.
وتابع: “حاليًا، يتم إجراء كشوفات دورية وصيانة إسعافية، من خلال استبدال بعض العوارض الخشبية المهترئة بعوارض خرسانية (بيتونية) لتدعيم البنية التحتية للخط. مع العلم، توجد دراسة كاملة لإعادة استبدال الخط الواصل بين المرفأ ومحطة طرطوس، نظرًا لأهميته الاستراتيجية كونه الشريان الأكبر لربط المرفأ بالداخل السوري”.
ترهل في الدرجات العليا ونقص في العمال الميدانيين
وفيما يتعلق بالكوادر البشرية، أشار عبد القادر إلى “معاناة فرع طرطوس من ترهل كبير، مع وجود زيادة في الموظفين من الدرجة الأولى والثانية، في حين يعاني الفرع من نقص كبير في العمال من الدرجة الرابعة والخامسة، والذين يشكلون العمود الفقري لصيانة الخط، وهم عمال الخط، وحراس الخط، وحراس الممرات، والمفتاحية (عمال فصل ووصل السكك)”.
وأوضح أن: “معظم هذه الفئات كانت تعمل بعقود مؤقتة، وتم حاليًا إعادة تأهيل هيكلية الكوادر، وتوزيع فئة الدرجة الأولى والثانية، ودراسة الاحتياج من الفئات الوظيفية الأخرى، بهدف تجديد العقود المؤقتة للعمال من الفئات الدنيا، والذين يتم الاعتماد عليهم بشكل مباشر في صيانة وحراسة الخط والممرات السطحية.”
آلية النقل اليوم: فيول وقمح وعقود تعاونية
وتشهد الشبكة الحديدية في طرطوس حركة نقل منظمة، وإن كانت محدودة نسبيًا مقارنة بإمكاناتها القصوى. وتتم عملية نقل المواد عبر القطارات بناءً على اتفاقيات رسمية مع الجهات المعنية.
وفي السياق، يوضح عبد القادر أنه: “يتم نقل الفيول عبر القطارات من مصفاة بانياس إلى المحطات الحرارية في حماة وحلب، وذلك ضمن عقود يتم الاتفاق عليها مع المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، التي تتولى نقل المواد وإيصالها إلى محطة المقصد، مقابل أجر نقل يتم تحديده مسبقًا”.
وأضاف: “كذلك الأمر بالنسبة لنقل القمح، حيث يتم التنسيق مع المؤسسة العامة للحبوب لنقل الكميات المستوردة أو المحلية من مرفأ طرطوس إلى صوامع الحبوب في الداخل، عبر الشبكة الحديديّة”.
أنواع المواد المنقولة: فيول للكهرباء وقمح للإعاشة
وتشمل المواد المنقولة عبر خطوط طرطوس الحديدية أبرز السلع الاستراتيجية في البلاد، وعلى رأسها الفيول الثقيل (Fuel Oil): المصدر الرئيسي لتغذية المحطات الحرارية في حلب وحماة، وهو ضروري لتأمين الطاقة الكهربائية في ظل أزمة الكهرباء الممتدة.
يضاف إلى ذلك القمح، والذي يتم استيراده عبر مرفأ طرطوس، ثم نقله إلى صوامع التخزين في حلب وحماة، لتوفير مادة الخبز للمواطنين.
وفيما يتعلق بالكميات، قال عبد القادر: “بلغت كمية نقل صهاريج الفيول خلال شهر تموز الماضي حوالي 1250 صهريج، موزعة بين المحطات الحرارية في حلب وحماة.”
ولفت إلى أن هذه الكمية تمثل جزءًا من الخطة الشهرية، وتتزايد أو تنخفض حسب احتياجات المحطات وكميات التكرير في مصفاة بانياس.
أهمية الخطوط الحديدية: دعم اقتصادي وبيئي وخدمي
يُعدّ النقل الحديدي في سوريا، رغم تراجعه خلال سنوات الحرب، أحد الركائز الأساسية لدعم الاقتصاد الوطني. ويُنظر إليه كوسيلة نقل آمنة، وقليلة التكلفة، وصديقة للبيئة مقارنة بالنقل البري.
ويؤكد عبد القادر، على أن: “النقل عبر الخطوط الحديدية يعبر عن قوة اقتصاد الدولة وحضارتها، لما يوفره من نسبة أمان عالية، وتكلفة أقل من أجور النقل البري. بالإضافة إلى ذلك، يخفف من الضغط على البنية التحتية للطرق، ويقلل من الازدحام المروري، ويحد من تلوث البيئة، كما يتيح نقل كميات كبيرة من البضائع في زمن قصير”.
وتابع: “هناك خطة طموحة لإعادة تشغيل قطارات الركاب على بعض المحاور الرئيسية في الشبكة الحديديّة، تمهيدًا لاستئناف الخدمة على كامل الشبكة. لكن العائق الأكبر والأهم هو النقص الكبير في القاطرات (رؤوس القطارات).”
وبيّن أن “معظم القاطرات العاملة حاليًا قديمة، وتُجرى لها صيانة وإعادة تأهيل دورية، لكنها غير كافية لتغطية الطلب التشغيلي على كامل الشبكة”.
وفي حال وصول قاطرات جديدة، فإن الخطوط الحديدية ستشهد نهضة كبيرة على مستوى نقل البضائع والركاب معًا، حسب تعبيره.
خطط مستقبلية: نحو نهضة حديدية شاملة
تشير الإدارة العامة للخطوط الحديدية إلى وجود “سعي دؤوب” لتوفير قاطرات جديدة، سواء عبر استيرادها أو إعادة تأهيل ما يمكن تأهيله من القطارات القديمة، بهدف رفع الكفاءة التشغيلية.
كما تدرس الجهات المعنية إمكانية توسيع شبكة النقل الحديدي، لا سيما في المناطق التي شهدت تحسّنًا أمنيًا واستقرارًا نسبيًا، مع التركيز على:
– إعادة تأهيل كامل لخط طرطوس حماة حلب.
– تطوير محطات التفريغ والتحميل في المرفأ والمصفاة.
– تأمين عربات جديدة لنقل الحبوب والفيول.
– التخطيط لخطوط نقل جديدة تربط طرطوس بمناطق جديدة في الساحل والداخل.
شريان حيوي في طريق التعافي
ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها الخطوط الحديدية في طرطوس – من تدهور البنية التحتية، إلى نقص الكوادر والقاطرات – إلا أنها تبقى شريانًا حيويًا لا يمكن الاستغناء عنه في منظومة النقل والتجارة السورية.
وتشير الجهود الحالية إلى بوادر تعافٍ تدريجي، ترتكز على الصيانة الإسعافية، وإعادة الهيكلة، ووضع خطط استراتيجية طويلة الأمد. ومع توفر الدعم اللازم، يمكن أن تصبح السكك الحديدية في طرطوس نموذجًا يُحتذى به في إعادة إحياء البنية التحتية الوطنية، ودفع عجلة الاقتصاد السوري نحو الأمام.