مع حلول موسم المونة، الذي اعتادت الأسر السورية على استقباله كل صيف بتحضير مؤونة الشتاء من المكدوس والمخللات والملوخية اليابسة والفاصولياء، يواجه أهالي إدلب وريفها هذا العام تحدياً قاسياً بسبب الغلاء المعيشي وارتفاع أسعار الخضروات والمواد الأساسية بشكل غير مسبوق.
في الأسواق الشعبية بمدينة إدلب، يتجاوز سعر الكيلو الواحد من الباذنجان 8 إلى 10 ليرات تركية، بينما تُباع الفليفلة الخضراء بنحو 9.5 ليرات، ويصل سعر لتر زيت الزيتون إلى نحو 250 ليرة تركية، في حين يقف سعر الكيلو الواحد من الجوز البلدي عند 280 ليرة. وهذه الأسعار المتفاوتة بين محل وآخر جعلت كلفة تحضير المكدوس، وهو الطبق الأبرز في “مونة” الأسر السورية، مرتفعة إلى حدّ يصعب معه على كثير من العائلات تحضيره بالكميات التي اعتادت عليها سابقاً.
تقول سمر خطاب، نازحة من ريف حماة وتعيش إلى الآن في مخيمات إدلب: “المكدوس بالنسبة لنا ليس مجرد طعام، هو عادة متوارثة منذ أمهاتنا وجداتنا، وطاولة الفطور في الشتاء لا تكتمل بدونه. لكن الأسعار هذا العام أرهقتنا، حتى إنني لم أستطع شراء سوى كمية قليلة بالكاد تكفي شهراً واحداً”، مؤكدة أن الأسرة التي كانت تُجهّز مونة تكفي لعام كامل أصبحت تكتفي بكميات رمزية.
ولا يقتصر الأمر على المكدوس، إذ يشكو الأهالي من أن تحضير المخللات بأنواعها والملوخية المجففة والفاصولياء اليابسة بات عبئاً ثقيلاً على ميزانية الأسر. وتوضح أم خالد، ربة منزل من ريف إدلب الشمالي، أن المونة لطالما مثّلت “مخزون الأمان الغذائي للأسر السورية، فهي تقيهم من تقلبات الأسعار في الشتاء، وتوفر لهم أصنافاً منزلية الصنع أكثر جودة وأقل تكلفة من السوق”. لكن مع الغلاء الحالي، تقلصت الكميات بشكل كبير، وبعض الأسر استغنت عن أصناف أساسية كانت تُحضّرها سنوياً.
ويؤكد عمار العلي، بائع خضار على سيارة متنقلة في أسواق إدلب، أن ارتفاع الأسعار في موجة الغلاء الأخيرة التي طالت المواد الغذائية يعود إلى عدة عوامل، أبرزها تراجع قيمة الليرة التركية التي يعتمد عليها السكان في التعاملات اليومية، إضافة إلى زيادة تكاليف النقل وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين.
ورغم ذلك، يحرص كثير من الأهالي على تحضير ولو كميات قليلة من المونة، حفاظاً على العادة الاجتماعية التي تمثل جزءاً من الهوية السورية وذاكرة الأسرة، حيث تجتمع النساء في الساحات أو أمام المنازل لتنظيف الخضروات وتقطيعها وتجفيفها في مشهد يتكرر كل صيف، ويشكّل علامة فارقة في حياة المجتمعات المحلية.
يعكس تراجع القدرة على تحضير المونة عمق الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الشمال السوري، إذ لم يعد الغلاء يقتصر على الكماليات، بل ضرب تقاليد راسخة ارتبطت بمعيشة الناس اليومية، وهو ما ينذر بموسم شتاء أكثر قسوة على العائلات الفقيرة والنازحة.