قرار أميركي تاريخي: شطب سوريا من لوائح العقوبات وفتح باب الاستثمار

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص – سوريا 24

في خطوة وُصفت بأنها الأكثر تأثيرًا في العلاقات السورية – الأميركية منذ عقدين، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أمس الإثنين، عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، إلغاء لوائح العقوبات المفروضة على سوريا بشكل كامل، وذلك بموجب الأمر التنفيذي (14312) الصادر في 30 حزيران/يونيو الفائت.

وجاء في القرار أن “الظروف التي أدت إلى فرض العقوبات على النظام السابق لبشار الأسد قد تغيرت جذريًا خلال الأشهر الستة الماضية، بما في ذلك الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع”.

وبهذا الإعلان، انتهت حالة الطوارئ الوطنية التي فرضتها واشنطن على دمشق منذ عام 2004، لتُطوى صفحة من العقوبات التي استمرت أكثر من عشرين عامًا. غير أن القرار استثنى بعض الأفراد والكيانات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان أو بشبكات المخدرات، حيث أُبقيت أسماؤهم على قوائم العقوبات بموجب أوامر تنفيذية أخرى.

القرار سياسي بامتياز

في قراءة سياسية للقرار، قال فاروق بلال، رئيس المجلس السوري الأميركي، في حديث لمنصة سوريا 24، إن ما جرى “ليس مجرد رفع للعقوبات بل إلغاء شامل لها من القانون الأميركي”. وأوضح أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لم يعد مخولًا قانونيًا بفرض أو ملاحقة أي عقوبات مرتبطة بسوريا، وهو ما يعني أن حالة الطوارئ الوطنية الخاصة بدمشق انتهت فعليًا.

وأضاف بلال أن القرار يترجم عمليًا سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط، والتي بدت أكثر ميلًا إلى إعادة الانخراط مع الحكومة السورية الجديدة. واعتبر أن الخطوة تحمل ثلاثة أبعاد رئيسية:

* قانوني: حذف كل النصوص التنظيمية التي كانت تضبط العقوبات.

* سياسي: إعلان رسمي بأن ملف العقوبات طُوي بشكل نهائي.

* اقتصادي: فتح الباب أمام التجارة والاستثمارات والتعاملات المالية دون الحاجة إلى تراخيص أو استثناءات.

ولفت بلال إلى أن التحدي المتبقي يتعلق بالعقوبات التي أقرّها الكونغرس الأميركي، والتي تتطلب تشريعات جديدة لإلغائها. كما أشار إلى أن العقوبات لا تزال قائمة على نحو 80 شخصية وكيانًا مرتبطين بالنظام السابق أو بتجارة المخدرات، وعلى رأسها الكبتاغون.

ترحيب رسمي سوري

وزارة الخارجية السورية رحّبت بالقرار الأميركي، واعتبرته “تطورًا إيجابيًا في الاتجاه الصحيح”، مشيرة إلى أنه سينعكس مباشرة على الوضعين الإنساني والاقتصادي داخل البلاد. وأكدت في بيانها أن إزالة اسم سوريا من مدونة القوانين الفيدرالية الأميركية سيفتح الباب أمام تسهيل الحركة التجارية والمالية، ورفع القيود عن الصادرات الأميركية إلى دمشق، بما يخفف من معاناة المواطنين، ويُهيّئ لتعاون اقتصادي وتجاري جديد بين البلدين.

لقاء رفيع المستوى في دمشق

تزامنًا مع صدور القرار، استقبل الرئيس أحمد الشرع في دمشق وفدًا أميركيًا رفيع المستوى برئاسة توماس باراك، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا. وضمت البعثة عضوي الكونغرس: السيناتور جين شاهين، والنائب جو ويلسون.

وبحسب الرئاسة السورية، جرى خلال اللقاء بحث مستجدات الأوضاع في سوريا والمنطقة، إضافة إلى سُبل تعزيز الحوار والتعاون “بما يخدم الأمن والاستقرار”. زيارة الوفد الأميركي فُسّرت على أنها مؤشر إضافي إلى جدية واشنطن في إعادة صياغة سياستها تجاه سوريا بعد سنوات من القطيعة والضغط الاقتصادي.

انعكاسات اقتصادية وشيكة

من الزاوية الاقتصادية، أكد أسامة القاضي، مستشار وزارة الاقتصاد والصناعة، في حديث لمنصة سوريا 24، أن القرار الأميركي سيكون له وقع “إيجابي جدًا” على عالم الاستثمار والأسواق والبنوك. وقال القاضي إن رفع اسم سوريا من لوائح العقوبات سيشجع كبريات الشركات والمصارف الأميركية والأوروبية على دخول السوق السورية، بعدما كانت تنتظر الإزالة الرسمية من قوائم وزارة الخزانة.

وأضاف: “سنسمع قريبًا عن طلبات من بنوك أميركية لدخول السوق السورية، كما سنشهد إجراءات رسمية لدخول بعض الشركات الأميركية في مجال الغاز والنفط”. وأشار إلى أن المستثمرين السوريين المقيمين في الولايات المتحدة سيكونون من أوائل المستفيدين، حيث بات بإمكانهم العودة إلى السوق السورية دون الحاجة إلى استثناءات قانونية.

وبرأي القاضي، فإن قرار الخزانة الأميركية سيفتح نافذة جديدة للاستثمارات في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، وسيُعيد ربط سوريا بالنظام المالي العالمي بعد سنوات من العزلة. لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن الاستفادة الكاملة من هذه الفرص تتطلب من الحكومة السورية تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز الشفافية، وإجراء إصلاحات قانونية لجذب المستثمرين.

أبعاد إقليمية ودولية

القرار الأميركي لم يقتصر على الشأن السوري الداخلي، بل حمل أبعادًا إقليمية أوسع. فإلغاء العقوبات يُتيح لواشنطن تعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي في سوريا، في مواجهة النفوذ الروسي والإيراني المتنامي خلال السنوات الماضية.

كما يمنح الإدارة الأميركية فرصة لإعادة صياغة توازنات القوى في الشرق الأوسط عبر إشراك دمشق في ترتيبات أمنية واقتصادية جديدة.

وتسعى واشنطن من خلال هذه الخطوة إلى فتح صفحة جديدة مع الإدارة السورية، بما يضمن تحقيق الاستقرار ومنع عودة الفوضى، مع الإبقاء في الوقت نفسه على أدوات ضغط محدودة مرتبطة بملفات حقوق الإنسان ومكافحة المخدرات.

ووسط كل ذلك، فإن إلغاء العقوبات الأميركية عن سوريا يشكّل تحولًا تاريخيًا في مسار العلاقة بين البلدين، فبينما اعتبره المحللون السياسيون خطوة لترجمة التوجهات الجديدة لواشنطن في المنطقة، ينظر إليه محللون اقتصاديون كبوابة لانفتاح طال انتظاره على الأسواق العالمية.

وبين هذين البعدين، تبقى النتائج الفعلية مرهونة بقدرة دمشق على استثمار هذا القرار في تحسين الواقع المعيشي للسوريين، وبمدى استعداد واشنطن لترجمة قراراتها القانونية إلى سياسات عملية على الأرض.

مقالات ذات صلة