في خطوة جديدة تُعزز جهود إعادة الحياة إلى طبيعتها في بلدة المريعية بريف دير الزور الغربي، نفذت منظمة الإغاثة بدون حدود – Handicap International، المنظمة الإنسانية الفرنسية المتخصصة في نزع الألغام، عملية واسعة لإزالة عدد كبير من الألغام والمخلّفات الحربية من منازل المدنيين في البلدة، في إطار جهود تهدف إلى تمكين السكان من العودة إلى ديارهم بسلام وأمان.
حماية المدنيين وخاصة الأطفال أولوية
وقامت الفرق الفنية التابعة للمنظمة قامت بنقل المخلفات الحربية إلى مواقع آمنة خارج الأحياء السكنية، حيث تم التعامل معها وفق إجراءات السلامة الدولية، تجنباً لأي حوادث قد تهدد حياة المدنيين، لا سيما الأطفال والنساء.
وتأتي هذه العملية كجزء من برنامج تطهير منظم يُنفذ في المنطقة، وتمثّل الثاني من نوعه بعد أن سبقتها في منتصف آب/أغسطس الماضي منظمة “الأرض الآمنة” (Safe Land)، التي نفذت جولة ميدانية شاملة بالتعاون مع مجلس بلدة المريعية لتحديد المواقع الخطرة التي تحتوي على أجسام غير متفجرة، كمرحلة أولى لبدء عمليات الإزالة.
وبهذا، تُصبح المريعية واحدة من أوائل المناطق التي تستقطب تدخلين متتاليين من منظمتين دوليتين متخصصتين في مجال نزع الألغام، ما يعكس حجم التلوث الحربي الكبير في المنطقة.
انتشار واسع وعشوائي للألغام
وأكد حميدي أبو عبد الله، رئيس بلدية المريعية في حديث لمنصة سوريا 24، أن انتشار الألغام والمتفجرات في البلدة “واسع وعشوائي”.
وأشار إلى أن هذه المخلفات توزعت في المنازل، الحقول، الطرق الفرعية، وحتى داخل المدارس القديمة، جراء سنوات الاقتتال والسيطرة المتعاقبة على المنطقة.
وأوضح أن “الألغام زُرعت من قبل أكثر من طرف، سواء خلال سيطرة تنظيم داعش أو في فترات المعارك العنيفة بين الفصائل المسلحة وقوات النظام السابق”.
وأضاف أن “الحرب تركت وراءها كمّاً هائلاً من الذخائر غير المنفجرة التي تهدد حياة السكان العائدين”.
وفيات وإصابات بسبب الألغام
وأشار أبو عبد الله إلى أن “عدد ضحايا الألغام في المُريعية بلغ نحو 20 حالة، تضمّنت وفيات وإصابات مختلفة، بعضها أدى إلى بتر أطراف”.
وبيّن أن “معظم الضحايا كانوا من الأطفال والشباب الذين لم يكونوا على دراية بالمواقع الخطرة”، ما يستدعي تعزيز برامج التوعية بالتوازي مع عمليات التطهير.
عودة تدريجية للمدنيين
وعلى الرغم من المخاطر، أوضح رئيس البلدية أن “هناك عودة واضحة للمدنيين إلى البلدة، حيث يعود العشرات من العائلات تدريجياً، خصوصاً من النازحين في مخيمات الشمال السوري”.
ولفت إلى أن “استمرار عمليات إزالة الألغام يُعد شرطاً أساسياً لتمكين الأهالي من إعادة بناء منازلهم واستئناف حياتهم الطبيعية”.
وأكد أن “التعاون مع المنظمات الإنسانية يسير بشكل جيد، ونأمل أن تتوسع هذه الجهود لتشمل كامل مساحة البلدة التي تبلغ نحو 15 كيلومتراً مربعاً”.
منظمة واحدة فقط تعمل حالياً في المنطقة
رغم خطورة الوضع، أوضح المسؤول المحلي أن “الجهات العاملة حالياً على إزالة المخلفات الحربية في المُريعية تقتصر على منظمة HI فقط”.
وأكد على أن “الحاجة ماسة لتدخل المزيد من المنظمات المتخصصة، خاصة أن حجم العمل كبير جداً ولا يمكن لفريق واحد تغطية كل المواقع الخطرة”.
دير الزور: من أكثر المحافظات تلوثاً بالألغام
من جانبه، أوضح رائد الحسون، مسؤول عمليات مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري في حديث لمنصة سوريا 24، أن “محافظة دير الزور تُصنف من بين أكثر المحافظات السورية تلوثاً بالذخائر غير المنفجرة والألغام”.
وأرجع ذلك إلى “تنوع القوى العسكرية التي سيطرت على المنطقة طوال سنوات النزاع، بما في ذلك تنظيم داعش، قوات النظام، المليشيات المدعومة من إيران، والتحالف الدولي”.
وأضاف الحسون أن “كل طرف استخدم أنواعاً مختلفة من الذخائر، من القنابل العنقودية إلى العبوات الناسفة والقذائف غير المنفجرة، ما جعل البيئة الميدانية معقدة للغاية”، مشيراً إلى أن “بعض هذه الذخائر مدفونة تحت الأرض أو مخفية في المباني، ما يصعّب عملية الكشف عنها”.
وأكد الحسون أن “الهدف القريب هو إنشاء مركز متخصص لإزالة المخلفات الحربية في مدينة دير الزور، بالتعاون مع منظمات دولية”.
ووسط كل ذلك، تمثل عملية منظمة HI في المريعية خطوة متقدمة في مسار تأمين العودة الآمنة للمدنيين، خصوصاً أنها تأتي كثاني تدخل منظم من قبل منظمة دولية متخصصة، بعد عمل أولي لمنظمة “الأرض الآمنة”.
ومع استمرار عودة العائلات وتوسّع نطاق التلوث الحربي، تبرز الحاجة الملحة إلى دعم أوسع، وشراكات فعّالة، وبناء قدرات محلية، لتحويل المُريعية من منطقة منكوبة إلى بيئة آمنة قابلة للحياة، في نموذج يمكن تعميمه على مناطق أخرى بدير الزور والشمال السوري.