تتزايد المؤشرات حول ضغوط مكثفة تمارسها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على كلٍّ من إسرائيل وسوريا للتوصل إلى اتفاق أمني خلال الشهر المقبل، وفق ما كشفه موقع “إيبوك” نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين.
يأتي ذلك في خطوة يُرجح الإعلان عنها قبل انعقاد الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الجاري.
وبحسب المصادر الإسرائيلية، فإن الإدارة الأميركية تسعى إلى تحقيق اختراق سياسي في ملف الشرق الأوسط، في ظل بحث ترامب عن “إنجازات سياسية” تسبق الاستحقاقات الأممية المقبلة.
وأوضحت أن واشنطن ستبذل حتى منتصف سبتمبر جهدًا سياسيًا مكثفًا لتقريب المواقف بين الطرفين، على الرغم من وجود صعوبات تعترض المسار.
العقبات المطروحة
المصادر ذاتها شددت على أن إسرائيل غير مستعدة للانسحاب من قمة جبل الشيخ أو التراجع في المنطقة العازلة التي وسعتها مباشرة بعد سقوط نظام الأسد السابق.
كما لفتت إلى أن المقترح الأميركي يتضمن اتفاقًا أمنيًا يؤدي إلى نزع السلاح في جنوب سوريا، ويمنع تركيا من إقامة قواعد عسكرية هناك، فضلًا عن فتح ممر إنساني من أراضي إسرائيل إلى الدروز في السويداء، وهو ما اعتبرته يخدم المصالح الأمنية الإسرائيلية.
في المقابل، أبدى الرئيس السوري أحمد الشرع إصرارًا على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي السورية التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد السابق، والعودة إلى “اتفاقية فصل القوات” لعام 1974.
تصعيد وتجاوز للأهداف المعلنة
الكاتب والمحلل السياسي حسن النيفي قدم قراءة معمقة لمسار الأحداث، مؤكدًا أنه منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الماضي، كثفت إسرائيل من اعتداءاتها على الجغرافيا السورية، وضاعفت استهدافها للمواقع العسكرية، تحت شعار “تحطيم ما تبقى من البنية العسكرية السابقة”.
وقال النيفي في حديث لمنصة سوريا 24: “هذا ربما يكون الشعار، ولكن التصعيد الإسرائيلي المستمر تجاوز الأهداف المعلنة سابقًا، وهناك تحول من استهداف المواقع العسكرية إلى التوغل في العمق السوري”.
وأضاف أن إسرائيل لم تكتفِ بالقصف، بل “تموضعت فعليًا في مواقع كثيرة، أهمها جبل الشيخ وبعض قرى القنيطرة”، معتبرًا أن هذا يكشف “عن نوايا إسرائيل في فرض واقع أمني جديد يتجاوز اتفاقية 1974 أو ما يُسمى بـ’فرز الاشتباك'”.
ورأى النيفي أن إسرائيل “تحاول استغلال مرحلة التحول في الدولة السورية وسقوط النظام وحالة الضعف العسكري والتفكك في بنية الدولة”، مشيرًا إلى أن أحداث السويداء الدرزية استُخدمت كورقة لتحقيق مكاسب.
وتابع: “الحكومة السورية، وليس أمامها سوى التفاوض، تريد التوصل إلى تفاهمات أمنية مع إسرائيل لتحييد سوريا عن العدوان الإسرائيلي، ويمكن أن تستعين بالموقف العربي أو بالعلاقات الجديدة مع الولايات المتحدة”.
هل الاتفاق الأمني قريب؟
وحول احتمالية التوصل إلى اتفاق أمني قريبًا، قال النيفي: “الأمر يتوقف على قدرة سوريا على الصمود في المفاوضات وعدم تقديم تنازلات كما يريد الجانب الإسرائيلي. الأخير يرفع من طلباته، إذ يريد منطقة الجنوب بكاملها منزوعة السلاح، ويريد ممرًا دائمًا يسميه ‘إنسانيًا’ بين السويداء وإسرائيل، وهذا يعني وضع اليد على المنطقة”.
وأضاف: “المعطيات كلها تشير إلى أن الجميع يريد اتفاقًا أمنيًا، لكن الوصول إلى اتفاق كامل يعتمد على تخلي إسرائيل عن مطالبها غير المعقولة، خاصة الانسحاب من كل الأراضي التي دخلت إليها بعد الثامن من ديسمبر، والعودة إلى حدود اتفاقية 1974. يمكن للحكومة السورية أن تقدم بعض التنازلات، مثل إعادة النظر في الاتفاقية وقضية المنطقة المنزوعة السلاح”.
مرحلة تتسم بالغموض
وبينما ركز النيفي على طبيعة التصعيد الإسرائيلي ومحددات الموقف السوري، قدم الباحث والناشط السياسي أحمد زيتون مقاربة مختلفة، انطلقت من البعد التاريخي والاستراتيجي للمشروع الصهيوني، وربطت بين المواقف الأميركية المعلنة والممارسات على الأرض.
يرى زيتون في حديث لمنصة سوريا 24 أن “سياسات حكومة نتنياهو الراهنة لا تنفصل عن التصورات التاريخية والاستراتيجية للمشروع الصهيوني”، موضحًا أن التناقض واضح بين المواقف الأميركية المعلنة بدعم حكومة سورية جديدة ورفع العقوبات وفتح قنوات التواصل، وبين الممارسات الميدانية التي تسير في اتجاه مغاير.
ووفق زيتون، فإن العلاقات السورية – الإسرائيلية تعيش “مرحلة جديدة تتسم بالغموض وعدم وضوح المسارات المستقبلية”، بينما تتركز الأهداف الإسرائيلية المعلنة على “تعزيز المكاسب الأمنية والعسكرية في الجنوب السوري، مستفيدة من حالة الفراغ الأمني منذ 2011 وتفاقمها بعد سقوط الأسد”. الهدف – كما يقول – هو تقوية الموقف الإسرائيلي في أي مفاوضات محتملة، وفرض شروط قد تؤثر على طبيعة أي اتفاق أو تسوية، أو حتى احتمالات التطبيع.
وأشار زيتون إلى أن الدبلوماسية السورية حققت بعض الاختراقات الإقليمية والدولية، واعتمدت نهجًا هادئًا في التعامل مع ملف الاحتلال، مما عزز موقفها في مطالبة المجتمع الدولي بالعودة إلى اتفاقية 1974. لكن هذا التقدم ترافق مع تصعيد إسرائيلي تجلى في “عمليات توغل واعتقالات واستهداف مواقع استراتيجية، مثل قصف جبل المانع مؤخرًا”، وهو ما قرأه كمحاولة لإضعاف الموقف السوري ودفعه إلى مواجهة مباشرة تؤثر على موقعه التفاوضي.
كما لفت إلى أن إسرائيل تحاول توظيف التوترات الداخلية في سوريا، خصوصًا في السويداء، كورقة ضغط إضافية، متوقعًا أن يشكل ملف السويداء أحد عناصر أي تسوية أمنية مستقبلية، سواء برعاية أميركية أو بدافع إسرائيلي مباشر.
وختم زيتون بالقول: “أولوية أي اتفاق أمني بالنسبة لإسرائيل ستكون إعادة بناء الثقة بقدرتها على توفير الأمن الداخلي، وتعزيز قناعة المجتمع الإسرائيلي بأن الدولة قادرة على الاستمرار كوجهة آمنة للاستثمار والهجرة، لا سيما بعد ما أفرزته حرب غزة الأخيرة من مؤشرات على تنامي ظاهرة الهجرة العكسية من داخل الأراضي المحتلة إلى خارجها”.
حسابات إقليمية معقدة
تُظهر مجمل المعطيات أن واشنطن تحاول الدفع باتجاه صياغة تفاهم أمني جديد بين سوريا وإسرائيل، في ظل حسابات إقليمية ودولية معقدة.
وبينما تسعى إسرائيل لفرض شروط تضمن لها السيطرة والأمن، تتمسك دمشق بالعودة إلى اتفاقية 1974 كأساس لأي تفاوض.
وبين هذه المواقف المتباينة، يبقى نجاح المبادرة الأميركية رهن قدرة الطرفين على تقديم تنازلات متبادلة، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى ما ستفرزه اجتماعات الأمم المتحدة من إشارات حاسمة بشأن هذا المسار.