أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، اليوم الأربعاء، تقريرًا موسّعًا حول الوضع الإنساني المتفاقم في سوريا.
ولفتت المنظمة إلى تدهور خطير في أوضاع المدنيين، ولا سيما الأطفال، خلال شهر تموز/يوليو الماضي، نتيجة تصاعد الأعمال العدائية، والظروف البيئية القاسية، وتواصل الأزمة الاقتصادية العميقة.
تصعيد عسكري في السويداء يؤدي إلى نزوح جماعي
شهد شهر تموز 2025 تجددًا مقلقًا للأعمال العدائية في محافظة السويداء جنوب سوريا، حيث اندلعت مواجهات مسلحة في 12 تموز، أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين، وتدمير البنية التحتية الحيوية، ونزوح ما يقرب من 192 ألف شخص داخل المحافظة وعبر الحدود إلى محافظتي درعا وريف دمشق.
وأدى التصعيد إلى تقييد شديد لحركة السكان والمساعدات الإنسانية، مع إقامة حواجز أمنية على الطرق الرئيسية، بما في ذلك طريق دمشق-درعا وطريق دمشق-السويداء.
وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق في 16 تموز بين الحكومة السورية والسلطات المحلية، نص على انسحاب القوات المؤقتة ونقل المسؤوليات الأمنية إلى الجهات المحلية، لا يزال الوضع في المحافظة هشًا، مع ورود تقارير عن اشتباكات متفرقة.
وأكدت اليونيسف أن وصول المساعدات الإنسانية إلى السويداء تأثر بشدة خلال الشهر، نظرًا للاضطرابات الأمنية المستمرة.
ومع ذلك، نجحت جهود مشتركة مع الهلال الأحمر العربي السوري في إيصال خمس قوافل إغاثة محملة بإمدادات أساسية، تضمنت مواد تغذوية، ومعدات طبية، ومستلزمات مياه وصرف صحي. وفي 31 يوليو، نُفذت أول مهمة مشتركة بين الوكالات، تم خلالها إيصال المساعدات عبر 40 شاحنة إلى المناطق المتضررة.
وأشار التقرير إلى تعرض قافلة تابعة للهلال الأحمر لإطلاق نار في 8 آب/أغسطس الماضي بمحافظة درعا، ما أدى إلى تضرر عدة مركبات، في دلالة على التصاعد الخطير للمخاطر التي تواجه الفرق الإنسانية في المناطق المتضررة من النزاع.
دمار البنية التحتية يفاقم المعاناة
أدى تدمير البنية التحتية الحيوية بما في ذلك شبكات المياه، والمرافق الصحية، ومحطات الكهرباء، إلى تفاقم الأثر الإنساني، خاصة على الفئات الأكثر ضعفًا، كالأطفال والنساء وكبار السن. وانعكست هذه الأضرار على توقف وظائف الأسواق المحلية، وانقطاع إمدادات الوقود والكهرباء، وزيادة صعوبة الوصول إلى السلع الأساسية وفرص كسب الرزق.
حرائق غابات في اللاذقية تُحدث دمارًا بيئيًا وإنسانيًا
في مطلع تموز/يوليو، اندلعت حرائق غابات واسعة النطاق في منطقة اللاذقية الساحلية، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة الشديد والرياح القوية. وامتدت الحرائق لتؤثر على 72 تجمعًا سكانيًا، مما أدى إلى نزوح أكثر من 1,150 شخصًا، وتضرر أكثر من 14,000 آخرين. ودُمر ما يقارب 15,000 هكتار من الأراضي الزراعية، ما أثر بشكل مباشر على سبل العيش ودمر منشآت عامة ومرافق خدمية.
وأثارت الحرائق مخاوف صحية وبيئية كبيرة، بما في ذلك خطر تلوث مصادر المياه، وانتشار الأمراض التنفسية، وفقدان التنوع البيولوجي. وتعمل اليونيسف وشركاؤها على تقديم الدعم الطارئ للمتضررين، لا سيما في مجالات الصحة والمياه والحماية.
الذخائر المتفجرة تهدد حياة الأطفال
تُعد الذخائر غير المنفجرة والألغام الأرضية من أخطر التهديدات اليومية التي تواجه المدنيين في سوريا، خاصة الأطفال.
ومنذ كانون الثاني/يناير 2025، سُجّلت 595 حادثة مرتبطة بالذخائر المتفجرة، نتج عنها 451 حالة وفاة و654 إصابة. وشكل الأطفال نحو ثلث الضحايا، حيث بلغ عدد القتلى من بينهم 130 طفلًا، و257 جريحًا.
وحذّرت اليونيسف من أن غياب برامج التوعية بمخاطر الذخائر المتفجرة، وضعف جهود الإزالة، يعيق عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية بأمان. وتدعو إلى تكثيف الدعم العاجل لبرامج إزالة المتفجرات والتثقيف المجتمعي، لحماية الأطفال ومنع المزيد من الخسائر.
موجة عودة غير مسبوقة للنازحين واللاجئين
ومنذ كانون الأول/ديسمبر 2024، عاد ما يقرب من 1.7 مليون نازح داخليًا وحوالي 780 ألف لاجئ سوري إلى مناطقهم الأصلية في مختلف أنحاء البلاد، مدفوعين بتحسّن نسبي في الوضع الأمني في بعض المناطق.
ومع ذلك، تواجه هذه العوائد تحديات كبيرة، تشمل نقص الخدمات الأساسية، وتدمير المنازل، وغياب فرص العمل، ووجود مخاطر أمنية مستمرة.
وتؤكد اليونيسف أن العودة يجب أن تكون آمنة وطوعية وكريمة، وتُرافقها خدمات صحية، وتعليمية، وحماية، خاصة للأطفال.
استجابة اليونيسف: دعم 6.4 مليون شخص في 2025
منذ بداية العام 2025، قدّمت اليونيسف وشركاؤها خدمات إنسانية أساسية لأكثر من 6.4 مليون شخص في جميع أنحاء سوريا، تشمل:
– الرعاية الصحية والتغذية (بما في ذلك علاج سوء التغذية الحاد لدى الأطفال).
– التعليم الطارئ وحماية الأطفال من العنف والاستغلال.
– توفير مياه الشرب النظيفة وخدمات الصرف الصحي.
– الدعم النفسي والاجتماعي، وبرامج الحماية الاجتماعية.
وشكل الأطفال 54% من إجمالي المستفيدين من هذه الخدمات، ما يعكس تركيز اليونيسف على حماية الفئة الأكثر عرضة للخطر.
أزمة تمويل تهدد الاستجابة الإنسانية
رغم حجم الاحتياجات المتزايدة، يعاني نداء اليونيسف لسوريا “مساعدة إنسانية عاجلة” من نقص حاد في التمويل، حيث لم يتم تأمين سوى 25% فقط من المبلغ المطلوب. وحذرت المنظمة من أن هذا النقص يهدد استمرارية البرامج الحيوية، مثل توزيع الأغذية، وعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية، وتوفير التعليم في المناطق المنكوبة.
ودعت اليونيسف المانحين الدوليين إلى التحرك العاجل لدعم الجهود الإنسانية، مشددة على أن أي تأخير في التمويل يعني توقف الخدمات المنقذة للحياة، وزيادة معاناة الأطفال.
تحديات بيئية واقتصادية متراكمة
تواجه سوريا حاليًا ظروفًا شبيهة بالجفاف هي الأشد منذ أكثر من 36 عامًا، ما أدى إلى انهيار كبير في إنتاج المحاصيل، وندرة المياه، وزيادة خطر تفشي الأمراض. وتُعد المجتمعات الريفية والأسر المعتمدة على الزراعة من أكثر المتضررين.
أما على الصعيد الاقتصادي، فلا يزال الوضع مترديًا، على الرغم من رفع بعض العقوبات الدولية. وتستمر القيود المصرفية وأزمة السيولة في تعطيل التجارة والعمليات الإنسانية. ويعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي، فيما تتزايد المخاطر الاجتماعية، مثل زواج الأطفال، والعنف الأسري، والاستغلال.
كما يُعدّ الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والمياه النظيفة من أبرز التحديات، خاصة في المناطق النائية والمتضررة من النزاع.
ووسط كل ذلك، تُواصل اليونيسف وشركاؤها العمل في الظروف الأكثر صعوبة لضمان وصول المساعدات إلى أشد الفئات حاجة، لكنها تؤكد أن استمرارية هذه الجهود تتطلب دعمًا عاجلاً ومستدامًا من المانحين.