أثار القرار الأخير الصادر عن وزارة الإعلام السورية، والمتعلق بفتح باب العودة للصحفيين الذين فُصلوا من وظائفهم بسبب مشاركتهم في الثورة السورية، جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية.
ففي حين اعتبر إعلاميون منشقون أن القرار “مجحف ومسيء”، أوضحت الوزارة أن المدة الممنوحة للتسجيل كانت كافية وأن المجال لا يزال مفتوحًا لتسوية أوضاع الراغبين.
التعميم الرسمي
وكانت وزارة الإعلام قد أصدرت في 30 آب/أغسطس الماضي تنويهًا دعت فيه الصحفيين الذين فُصلوا من عملهم في الوزارة أو في المؤسسات التابعة لها بسبب مواقفهم المرتبطة بالثورة السورية، إلى مراجعة جهاتهم السابقة مصطحبين معهم الثبوتيات الشخصية والوثائق المطلوبة.
وحدّد التعميم فترة زمنية وُصفت بـ”القصيرة”، إذ أتاح المجال للتسجيل ما بين 3 و11 أيلول/سبتمبر 2025 فقط، وخلال أوقات الدوام الرسمي.
اعتبر الكاتب والصحفي علي سفر، خلال حديثه لمنصة “سوريا 24″، أن القرار الصادر عن وزارة الإعلام “مسيء جدًا للإعلاميين المنشقين، ومسيء في الوقت نفسه للوزارة ولصورة الدولة التي عمل الثائرون من أجلها”.
كما أوضح سفر أن “الوزارة لم تتواصل مع الإعلاميين المنشقين وكأنهم لم يكونوا موجودين في المشهد العام للثورة، رغم أن وزير الإعلام نفسه عمل مع جزء من هؤلاء، إن كان في تلفزيون سوريا الذي تم تأسيسه بجهود المنشقين، أو في التلفزيون العربي الذي عمل فيه بعضهم”.
وأضاف موضحًا أن “البعض يظن أننا حين نعبر عن الاستياء من هذا التصرف نطمح لتولي المناصب أو الحصول على الميزات”، لافتًا في المقابل إلى عدم طموحه بشغل أي منصب حكومي، داعيًا الوزارة إلى الاعتراف بأن “ثمة مجموعة من الإعلاميين قاموا بالانشقاق من أجل حرية السوريين ولم يقبلوا العمل مع الأسديين لتسويق رواية النظام”، وأن “هؤلاء يستحقون التكريم، وإعادتهم إلى وظائفهم وتعويضهم ماديًا عن السنوات التي اضطروا أن يتركوا عملهم فيها”.
ومن جهة أخرى، شدد سفر على أن القرار “يعود لأصحاب القضية أن يعودوا أو أن يستقيلوا”، مؤكدًا أن الأمر يتعلق بحقوق وليس فيه منّة لأحد، ولا يجب “تسويغ هذا التصرف القبيح”، بحسب تعبيره.
وعزا سفر استياءه بشكل خاص إلى المدة الزمنية المحددة، موضحًا: “تخيل أن تكون في بلد بعيد ويقال لك: معك تسعة أيام كي تراجعنا وتجلب معك الثبوتيات؟ عن أي ثبوتيات يتحدث هؤلاء؟ ألا تكفي قرارات الفصل التي أصدرها نظام الأسد بحقنا كي تكون دليلًا على ما ذهبنا إليه من أجل الثورة؟”.
القرار جائر ولا يراعي الواقع
من جانبه، اعتبر الصحفي فؤاد عبد العزيز أن القرار الأخير “مجحف بحق الصحفيين”، موضحًا في حديثه إلى منصة “سوريا 24” أن “إعطاء مهلة أسبوع واحد فقط للعودة إلى العمل لا ينسجم مع واقع الصحفيين المفصولين ولا مع ظروفهم”.
وأضاف عبد العزيز: “على الصعيد الشخصي، كنت أفكر بالعودة إلى سوريا، وكل ما كنت أطلبه هو الأمان المستقبلي. لا أريد سوى الموت في بلدي، لكن بهذه الصيغة حكموا علينا بالنفي”، مؤكدًا أن “القرار جائر ولا يخلو من العدوانية، وكأنه رسالة واضحة لمن فُصلوا من عملهم في وسائل إعلام النظام بسبب تأييدهم للثورة: أرجوكم لا تعودوا”.
وبرأيه، فإن القرار “مجرد رفع عتب لا غير”، مفسرًا ذلك بالقول: “إنهم يدركون أنه خلال فترة أسبوع لن يستطيع حتى من يقيم في الدويلعة بدمشق أن يجهز الأوراق المطلوبة من أجل العودة”.
وبيّن عبد العزيز أن “بحسبة بسيطة، لو أن وزارة الإعلام أجرت استطلاعًا صغيرًا وتواصلت مع الموظفين المفصولين قبل إصدار مثل هذا القرار، لوجدت أن 90 بالمئة منهم خارج البلد، وأغلبهم في أوروبا، ويحتاج من يرغب بالعودة إلى فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر لإنهاء وضعه القانوني في بلد اللجوء”.
كما لفت إلى أن “عدد الصحفيين الذين تم فصلهم من وسائل الإعلام والمثبتين على الملاك، لا يتجاوز الثلاثين صحفيًا، وفي أحسن الأحوال خمسين صحفيًا”، متسائلًا: “فهل تعجز الدولة عن استيعاب هذا العدد المحدود في أعمالهم السابقة؟”.
محمد بركات: المهلة كافية والوزارة مستعدة للدعم
وفي المقابل، أوضح محمد بركات، مدير التنمية الإدارية في وزارة الإعلام، أن المدة الممنوحة للتقديم “كانت كافية”، مبيّنًا أنه “تم الإعلان عنها عدة مرات عبر الصفحات الداخلية للوزارة، ومن خلال الزملاء والمعارف، إضافة إلى نشر روابط خاصة بالتسجيل، بما فيها الرابط الرسمي لوزارة التنمية الإدارية”.
وأكد بركات: “في حال وجود أي شكاوى من بعض الزملاء الصحفيين الذين لم يتمكنوا من التسجيل، فإننا على استعداد لتقديم الدعم اللازم لهم وفتح المجال أمامهم لاستكمال إجراءاتهم”.
وبحسب المعلومات الأولية التي كشف عنها بركات، فإن “عدد المفصولين من وزارة الإعلام والجهات التابعة لها يبلغ 168 مفصولًا حتى تاريخ اليوم، وقد تم التواصل مع الغالبية منهم، باستثناء من كان هناك خطأ في بيانات التواصل الخاصة بهم”.
وأضاف: “لقد رفعنا بالفعل دفعة من الأسماء إلى وزارة التنمية الإدارية، فيما ننتظر استكمال تواصل البقية، مع فتح المجال أمامهم لمراجعة الأقسام المختصة في الوزارة”.
وبينما يرى إعلاميون منشقون أن التعميم الصادر في 30 آب/أغسطس الماضي لا يرقى إلى مستوى الاعتراف بتضحياتهم، وتحديد مهلة أسبوع واحد فقط أشبه بـ”تصرف قسري” لا يراعي ظروفهم، تؤكد وزارة الإعلام أن المهلة كانت كافية وأن الأبواب ما زالت مفتوحة أمام الراغبين. وبين الموقفين، يبقى الجدل قائمًا حول ما إذا كانت الخطوة تمثل بداية لمصالحة مهنية حقيقية، أم أنها مجرد إجراء إداري لا يحقق العدالة المطلوبة.