مع التحول المتسارع نحو الفضاء الرقمي في سوريا خلال السنوات الأخيرة، بات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للشباب. غير أن هذا التحول ترافق مع تحديات جدية تمسّ الاستقرار الاجتماعي، أبرزها تصاعد المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، في ظل غياب سياسات رقمية فعالة تحمي الأفراد وتضمن فضاء آمناً للتواصل والتعبير.
في هذا السياق، أطلقت منظمة دارة سلام مشروعها الجديد “بصمتك”، الذي يستهدف شريحة الشباب في دمشق وريفها عبر برنامج تدريبي يمتد لأربعة أشهر، يهدف إلى تعزيز مفاهيم المواطنة الرقمية، وتزويد المشاركين بالمعرفة والمهارات اللازمة للتعامل مع المحتوى الرقمي بوعي ومسؤولية.
استجابة للتحديات الرقمية
تقول أنوار العبدالله، مسؤولة الإعلام والمناصرة في المشروع، في حديثها إلى منصة سوريا 24: إنه يأتي في وقت تواجه فيه المجتمعات السورية جملة من الإشكالات الرقمية، منها ضعف الوعي النقدي لدى المستخدمين، والنقص في مهارات التحقق من الأخبار المنتشرة على الإنترنت، فضلاً عن غياب الأطر القانونية الرادعة لخطابات الكراهية والمحتوى المضلل. وتضيف: “هذه التحديات لا تؤثر في الفضاء الافتراضي فقط، بل تعمّق الانقسامات الاجتماعية وتضعف الثقة بين مكونات المجتمع”.
اليسار الحجلي، إعلامية وناشطة، إحدى المشاركات في التدريب، تقول لسوريا 24: إنه فرصة حقيقية في هذا الوقت لنتعرف على قضايا تهم فئات المجتمع، وقدرنا أن نفهم المصطلحات ونتعرف على معانٍ جديدة بخصوص المواطنة الرقمية والتعامل معها.
وأضافت أن “التدريب ساعد في تفسير المشكلات التي تواجهنا، مع التعرف على طريقة التعامل معها، وتعزيز قيم التماسك المجتمعي وبناء السلام”.
يولي “بصمتك” اهتماماً خاصاً بخلق مساحات حرة للنقاش بين الشباب من خلال أنشطة مجتمعية تفاعلية، إضافة إلى إنتاج محتوى رقمي مبسط يعالج قضايا ملحة مثل التضليل الإعلامي وخطاب الكراهية. كما يسعى المشروع إلى إشراك صناع القرار وأصحاب المصلحة في حوارات جادة تمهد لوضع سياسات رقمية عادلة تعكس احتياجات الشباب السوري.
تؤكد العبدالله أن مبادرة تعزيز مفاهيم المواطنة الرقمية في مشروع “بصمتك” تهدف إلى تمكين الشباب ليكونوا أكثر وعياً في تعاطيهم مع الفضاء الرقمي، بحيث يتحولون من متلقين سلبيين إلى فاعلين قادرين على إنتاج خطاب بديل وبنّاء. هذا المشروع لا يقتصر على التدريب فقط، بل يفتح أيضاً آفاقاً للحوار بين المجتمع وصناع القرار من أجل بناء بيئة رقمية أكثر أماناً وإنصافاً للجميع.
نحو مجتمع رقمي آمن
من خلال هذه المبادرة، تأمل دارة سلام، من خلال الدورات التدريبية، أن تسهم في إيجاد حلول مستدامة للتحديات الرقمية، وبناء مجتمع أكثر قدرة على مقاومة التضليل وتعزيز قيم السلام الاجتماعي والسياسي، في وقت يحتاج فيه السوريون إلى فضاءات مشتركة تقوم على الثقة والمعرفة والوعي.