تشهد مدينة القامشلي في السنوات الأخيرة ازدهارا لافتا في قطاع مراكز التجميل، حتى باتت هذه المراكز تحتل مواقع متقاربة في كل شارع تقريبا، متجاوزة في عددها محال المواد الغذائية. هذه الظاهرة التي يصفها كثيرون بأنها “غير طبيعية”، تثير جدلا واسعا بين السكان حول أسبابها ونتائجها، لا سيما مع غياب الرقابة الصحية وانتشار ممارسات غير مهنية قد تفضي إلى تشوهات وأضرار جسدية ونفسية.
هوس بالمظهر وتراجع في الاهتمامات الأخرى
ثائر، صاحب محل ألبسة في سوق القامشلي، يقول لمنصة “سوريا 24” إن افتتاح المراكز أصبح أمرا شبه يومي، “وكأن الاهتمام بالشكل الخارجي بات هاجسا عاما”. ويرى أن هذا الانشغال المفرط بالمظهر انعكس على حياة الناس وأولوياتهم، إذ بات التعليم والعمل والطموح في مرتبة ثانية بعد الاهتمام بالعمليات التجميلية.
ويضيف أن الأسعار في هذه المراكز مرتفعة للغاية، وتدفع غالبا بالدولار، موضحا أن تكلفة زراعة الشعر تبدأ من 500 دولار وتصل إلى 700 دولار وأكثر بحسب الطبيب، في ظل غياب أي تسعيرة رسمية أو مرجعية طبية تضبط السوق. كما أن خدمات مثل الفيلر والبوتوكس وتجميل الأنف وإزالة الشعر أصبحت رائجة بين الشباب والفتيات على حد سواء. ويشير إلى أن الفتيات في عمر 17 أو 18 عاما يعتبرن الفيلر جزءا من روتين الجمال الأساسي وليس رفاهية، وهو ما يعكس – بحسب وصفه – “هوسا يهدد بنية المجتمع”.
غياب المؤهلات الطبية وانتشار المخاطر
مازن، وهو أحد المتابعين لهذه الظاهرة، يذهب أبعد من مسألة ارتفاع عدد المراكز، ليعتبر أن الكارثة الحقيقية تكمن في غياب الكوادر الطبية المؤهلة. ويقول لـ”سوريا 24″ إن كثيرا من العاملين في هذه المراكز لا يحملون شهادات طبية معترف بها، وإنما “شهادات خبرة” مستخرجة من إقليم كردستان العراق أو تركيا. ويضيف أن هذه المراكز تحصل على تراخيص عبر أطباء محليين يمنحون أسماءهم فقط دون أي مشاركة فعلية أو متابعة لما يجري داخلها.
ويحذر مازن من خطورة هذه الممارسات التي تسببت في حالات تشوهات وتورمات وحروق جراء حقن خاطئة أو مواد غير مناسبة لجسم المريض. كما يشير إلى أن بعض الأشخاص الذين لم يدرسوا سوى دورات قصيرة باتوا يجرون عمليات تجميل أنف، وهي عمليات جراحية دقيقة من المفترض أن يقوم بها جراحون مختصون. ويعتبر أن صمت مديرية الصحة والجهات المسؤولة يشكل خطرا إضافيا، مؤكدا أن “التجميل اليوم أصبح تجارة بحتة على حساب صحة الناس”.
تجارب شخصية مع الاستغلال
ناصر، الذي خاض تجربة شخصية مع زراعة الشعر في أحد المراكز بالقامشلي، يروي لـ”سوريا 24″ تفاصيل ما تعرض له. فقد دفع 800 دولار مقابل العملية التي لم تشمل كامل فروة الرأس كما اتفق، ليفاجأ بعد ذلك بضرورة إجراء جلسات بلازما “أساسية” لتعزيز نتائج الزراعة، بتكلفة 20 دولارا للجلسة، ليصل مجموعها إلى 160 دولارا إضافيا. ويصف ناصر التجربة بأنها “استغلال واضح” نتيجة غياب الشفافية والوعي الكافي لدى الناس حول تفاصيل هذه العمليات وتكاليفها.
سوق مفتوح بلا ضوابط
تجمع هذه الشهادات على أن قطاع التجميل في القامشلي تحول إلى سوق مفتوح، حيث يتسابق المراكز على اجتذاب الزبائن بأساليب تجارية بحتة، بعيدا عن المعايير الطبية والمهنية. هذا الواقع يثير مخاوف جدية حول مستقبل الظاهرة، خاصة في ظل الإقبال المتزايد من مختلف الفئات العمرية، بما في ذلك المراهقون، على إجراءات قد تترك آثارا صحية ونفسية طويلة الأمد.
ويطالب الأهالي بضرورة فرض رقابة صارمة على هذه المراكز، والتأكد من مؤهلات العاملين فيها، وإطلاق حملات توعية حول المخاطر المحتملة للتجميل غير المهني. فبينما يرى البعض أن الاهتمام بالمظهر حق شخصي، إلا أن تحوله إلى هوس اجتماعي بلا ضوابط أو معايير يشكل تهديدا مباشرا لصحة الناس ولمستقبل جيل كامل ينشأ على أن “المظهر أهم من أي شيء آخر”.