حمص: عمليات مسح واسعة لتطهير الأحياء من مخلفات الحرب

Facebook
WhatsApp
Telegram

أعلن مجلس محافظة حمص عن استكمال المرحلة الأولى من أعمال المسح غير التقني للألغام ومخلفات الحرب في أربعة أحياء رئيسية.

يأتي ذلك في إطار برنامج متكامل يُنفذ بالشراكة بين شركة “حلول الأمان” ودائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS)، وبتنسيق مباشر مع بلدية حمص.

مسح واسع يغطي أكثر من 9.7 مليون متر مربع

بلغت المساحة الإجمالية التي تم مسحها 9,751,868 متراً مربعاً، وشملت أحياء: دير بعلبة الشمالي، دير بعلبة الجنوبي، جورة الشياح، والقرابيص، وهي من الأحياء التي عانت من اشتباكات مكثفة خلال سنوات النزاع، وتُصنف ضمن الأولويات القصوى لإعادة الإعمار وتمكين العودة الآمنة للسكان.

وخلال هذه الجولات الميدانية، تم تحديد 10 ذخائر غير منفجرة (UXOs) تشمل قذائف هاون، وقذائف مدفعية، وأجزاء من صواريخ، تم التعامل معها فوراً بواسطة فرق متخصصة وفق بروتوكولات السلامة الدولية، وأُزيلت بأمان دون أي إصابات أو حوادث.

وأكد مصدر في شركة “حلول الأمان” أن عمليات المسح تعتمد على منهجية “غير تقنية” تقوم على التقصي السكاني، وجمع المعلومات من السكان المحليين، واستخدام أدوات بصرية وبسيطة، وهو ما يجعلها فعالة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية حيث لا يمكن استخدام المعدات الثقيلة أو المتطورة بسبب البنية التحتية المتضررة.

استمرار العمل في أحياء جديدة

لم تتوقف الجهود عند هذا الحد، إذ تواصل الفرق حالياً تنفيذ مهام المسح في أحياء أخرى حيوية هي: الخالدية، القصور، العباسية، والمهاجرين، وهي مناطق سكنية كثيفة كانت محطة لحركات نزوح كبيرة، وتُعد من المحاور الأساسية لإعادة بناء الخدمات العامة والسكنية.

وتشمل هذه المرحلة توثيقاً دقيقاً لأي مؤشرات على وجود ألغام أو مخلفات حربية، مع إشراك المجتمع المحلي عبر لجان محلية تعمل كوسيط بين السكان وفرق المسح، مما يعزز الثقة ويضمن دقة المعلومات.

تعاون دولي ومحلي لإزالة الأنقاض

في سياق متصل، أكملت فرق المسح سابقاً عملية مسح للقسم الجنوبي من حي البياضة ضمن مشروع مشترك مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UNHabitat)، الذي يركز على إزالة الأنقاض وإعادة تأهيل الطرق والمباني. وقد أظهرت هذه العملية أن هناك تداخلاً كبيراً بين مخلفات الحرب والأنقاض، ما يستدعي تكاملاً في الاستراتيجيات الأمنية والإنسانية.

تباين في توزيع الألغام

وفي سياق توثيق التجارب المحلية، أوضح محمد فهد ديب، عضو لجنة حي دير بعلبة، في حديث لمنصة سوريا 24، أن “غالبية الألغام منتشرة على خط الجبهة وفي المناطق التي لم تكن تحت سيطرة النظام. أما دير بعلبة فهي منطقة كانت تحت سيطرة قوات النظام السابق طوال فترة النزاع، ولم تشهد اشتباكات مباشرة على الأرض، وبالتالي فهي خالية تقريباً من الألغام”.

وتابع: “لا يمكننا تحديد موقع محدد داخل الحي لأنه لم يكن مسرحاً للزرع، لكننا نحذر من أي ملاحظات غير موثقة قد تثير الذعر”.

أما إبراهيم ياسين، أحد سكان ريف حمص، فقد أشار إلى توزيع جغرافي مختلف، قائلاً: “لا توجد ألغام في هذه المناطق إلا نادراً، فالألغام موجودة أساساً في المناطق الشرقية والبوادي، خاصة على طرق التهريب، والتي كان يزرعها غالباً جيش النظام السابق قبل عام 2015، إذ كانت تلك المناطق ممرات لجماعات مسلحة، واستخدمت الألغام كسلاح دفاعي ضد الهجمات، لا كأداة للسيطرة على المدن”.

وأضاف ياسين: “الناس الذين عادوا من اللاذقية أو حلب يقولون إنهم شاهدوا ألغاماً في حمص، لكنهم يقصدون مناطق مثل تلكلخ أو حماة، أو حتى أجزاء من ريف حمص الشرقي”.

وتابع: “أما هنا في المدينة، فالخوف من الألغام أكبر من واقعها، وهذا يعيق عودة الناس، وبالتالي نحن بحاجة إلى توعية حقيقية، لا مجرد عمليات مسح”.

تحديات ومستقبل العمل

رغم التقدم الكبير، فإن التحديات لا تزال قائمة. فمعظم الألغام المكتشفة ليست من النوع “الأرضي” التقليدي، بل من مخلفات قذائف وذخائر غير منفجرة نتجت عن قصف مكثف، ما يتطلب تدريباً خاصاً لفرق المسح، ووعياً مجتمعياً لتجنب اللمس أو الحركة العشوائية في المناطق الموبوءة.

ووسط كل ذلك، فإن استكمال مسح أكثر من تسعة ملايين متر مربع في حمص يُعد إنجازاً تاريخياً في مجال إزالة مخلفات الحرب في سوريا، ويُشكل نموذجاً يُحتذى به في الدول المتأثرة بالنزاعات.

ويعكس تضافر الجهود بين الدولة والمجتمع المدني والمجتمع الدولي، ويُثبت أن “الأمان” ليس رفاهية، بل شرط أساسي للسلام الدائم.

مقالات ذات صلة