في مقابلة مع قناة الإخبارية السورية، تناول الرئيس أحمد الشرع أبرز الملفات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والداخلية، كاشفاً عن تفاصيل جديدة بشأن التفاهم مع روسيا خلال معركة “ردع العدوان”، ومؤكداً في الوقت نفسه أن وحدة التراب السوري خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
الملف الاقتصادي: إصلاحات واستثمارات
أكد الرئيس الشرع أن أي سلطة في العالم تقوم على مهمتين أساسيتين: حماية الناس وتأمين أرزاقهم، موضحاً أن السياسة السورية منذ البداية انطلقت من هذا المبدأ.
وقال إن إصلاح المنظومة القضائية يصب مباشرة في مصلحة الاقتصاد، في حين يُعدّ إصلاح المنظومة التعليمية وتطوير الموارد البشرية أكبر رأس مال حقيقي يمكن الاستثمار فيه. وأضاف أن بناء بيئة اقتصادية مناسبة يتطلب تنظيم الملفات بشكل متزن، والعمل المتوازي على مختلف القطاعات، خصوصاً البنية التحتية التي يقوم عليها الاقتصاد.
وأشار إلى أنه خلال الأشهر التسعة الماضية تم إدخال نحو 1150 خط إنتاج جديداً، إلى جانب إعادة تشغيل المعامل المتوقفة. كما أوضح أن صندوق التنمية يستهدف إعادة إعمار القرى والبلدات المهدمة، ومعالجة ملف النازحين والمخيمات بشكل مباشر، إضافة إلى تقديم قروض حسنة للمزارعين لدعم الإنتاج الزراعي.
اتفقنا على تحييد روسيا خلال معركة “ردع العدوان”
كشف الرئيس الشرع عن اتفاق جرى مع روسيا خلال معركة “ردع العدوان”، يقضي بتحييد الطيران الروسي مقابل عدم استهداف قاعدة حميميم.
وقال: “كان بإمكاننا استهداف القاعدة والطائرات داخلها، لكن ذلك كان سيدفع روسيا إلى التدخل بزخم أكبر. لذلك اتفقنا على تحييدها، وهو ما سمح بفتح مسار سياسي لاحق”.
وأشار إلى أن العلاقات مع موسكو تستند إلى روابط تاريخية منذ استقلال سوريا عام 1946، مؤكداً ضرورة إدارتها بهدوء وعقلانية، مع الحفاظ على استقلال القرار السوري.
الملف الإيراني: برود بعد سقوط النظام
أوضح الرئيس الشرع أن سقوط النظام السابق أدى إلى إخراج الأذرع الإيرانية من سوريا، ما أدخل العلاقة بين الطرفين في حالة من البرود. واعتبر أن بعض الأطراف الإيرانية ما زالت تنظر إلى خسارة سوريا على أنها فقدان لمحور استراتيجي كامل.
وأكد أن سوريا تبحث عن الهدوء التام في علاقاتها الدولية والإقليمية، رافضة الدخول في محاور أو صراعات، ومشدداً على أن الأولوية تبقى للمصلحة السورية أولاً.
الملف الإسرائيلي: التزام باتفاق 1974
وحول العلاقة مع إسرائيل، أوضح الرئيس الشرع أن دمشق ما زالت ملتزمة باتفاق عام 1974، لكنها فوجئت بتعامل إسرائيل مع سقوط النظام السابق كخروج سوريا من الاتفاق. وقال إن ذلك دفع تل أبيب إلى قصف مواقع مدنية وعسكرية بشكل غير مبرر.
وكشف عن مفاوضات جارية للتوصل إلى صيغة جديدة تضمن العودة إلى اتفاق 1974 أو ما يشبهه، مؤكداً أن التفاوض لم ينتهِ بعد. واعتبر أن إسرائيل كانت تخطط لأن تبقى سوريا ساحة صراع إقليمي وميداناً لتصفية الحسابات، لكن هذا المخطط سقط مع التغييرات الأخيرة.
الملف الداخلي: البرلمان والدستور
تحدث الرئيس الشرع عن المسار السياسي الداخلي، موضحاً أن مجلس الشعب القادم يمثل مرحلة انتقالية مؤقتة وليست دائمة. وأشار إلى أن سوريا مرت بعدة مراحل منذ التحرير، بدأت بملء الفراغ الرئاسي، مروراً بالمؤتمر الوطني الجامع، ثم تشكيل الحكومة، وصولاً إلى الانتخابات البرلمانية.
وأضاف أن صياغة الدستور الجديد ستأتي بعد الانتخابات، مشدداً على أن الثورات الناجحة تمر بمراحل انتقالية وتحتاج إلى وقت قبل الاستقرار الكامل.
ملف السويداء وشمال شرق سوريا: وحدة التراب السوري
تطرّق الرئيس الشرع إلى الأحداث الأخيرة في السويداء، مؤكداً أن أخطاء وقعت من جميع الأطراف: من الدولة، ومن البدو، ومن الطائفة الدرزية الكريمة.
وقال إن الواجب الأول كان وقف سيل الدماء، لذلك شُكّلت لجان تقصّي حقائق لمحاسبة كل من أساء أو اعتدى.
وحذّر من مشاريع الاستقلال والتقسيم، مؤكداً أن “سوريا لا تقبل القسمة، والتقسيم يورّث العدوى ويمتد تأثيره إلى الإقليم كله”. وأوضح أن العرب يشكلون أكثر من 70% من سكان شمال شرق سوريا، وأن قوات “قسد” لا تمثل كل المكوّن الكردي.
وشدّد على أن مصلحة السويداء ومصلحة شمال الشرق مع دمشق، معتبراً أن المرحلة الحالية فرصة لسوريا لملمة جراحها والانطلاق في حلّة جديدة.
ملف الحريات والإعلام: أصوات ناقدة وضوابط قليلة
أكد الرئيس الشرع أن أي سلطة لم تعد قادرة على كتم أصوات الناس في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن سقف الحرية في سوريا واسع، وأن المطلوب فقط ضوابط محددة لحماية الحقوق.
وقال إنه يقرأ الانتقادات الموجهة إليه حتى وإن كانت جارحة، معتبراً أن النقد الصحيح يساعد الدولة على توضيح سياساتها، وأن الحالة الصحية تكمن في وجود إعلام حر وأصوات ناقدة.
وأضاف: “لسنا في زمن يقرّر فيه الرئيس كل شيء، ولا أريد لسوريا أن تكون كذلك، ولا أعتقد أن الشعب سيقبل بهذا”.
تنظيم القوانين والدستور أساس التعددية السياسية المقبلة في سوريا
وفيما يتعلق بالحياة السياسية في سوريا، أكد الرئيس الشرع أن تنظيم الحياة السياسية في سوريا يتطلب ترتيب القوانين والأنظمة والدستور بشكل واضح، بحيث يعرف كل عامل في الشأن السياسي حدود عمله والمساحة المتاحة أمامه. وأوضح أن العمل السياسي من دون ضوابط قانونية يتحوّل إلى بوابة للنزاعات والخلافات، مشدداً على أن المستقبل سيحمل تعددية سياسية وآراء مختلفة، وهي الحالة الطبيعية التي تليق بسوريا.
وأشار الرئيس الشرع إلى أن المطلوب اليوم هو الصبر والثقة والموضوعية في الطرح، مع التدرج في معالجة القضايا الوطنية وتحقيق تطلعات السوريين، لافتاً إلى أن ما تحقق حتى الآن يُعد إنجازاً كبيراً.
وختم بالتأكيد على أن “كما أكرمنا الله بهذا الإنجاز العظيم، سيكرمنا أيضاً بحلّ مشاكلنا بشكل متدرّج وفعّال يمسّ كل بيت في سوريا”.