رغم مرور أكثر من خمسة عقود على نزوح أهالي القنيطرة بعد حرب حزيران 1967، ما زالت آلاف العائلات تعيش في تجمع الكسوة الشرقي بريف دمشق في ظروف أشبه بالتهميش المزمن. فالحي الذي يقطنه اليوم نحو 35 ألف نسمة، بينهم نازحون من القنيطرة وسكان من محافظات أخرى، يعاني غيابًا شبه كامل للخدمات الأساسية، وسط فساد إداري ومماطلة مزمنة من البلديات المتعاقبة، الأمر الذي جعل الحياة اليومية فيه محكومة بالعطش، وسوء المواصلات، ورداءة البنى التحتية، وانعدام الرعاية الصحية.
نزوح القنيطرة وتأسيس الحي
قال فراس عزام، الناشط المدني وعضو فريق أبناء الجولان التطوعي، وعضو لجنة الحي في تجمع الكسوة الشرقي بريف دمشق، إن معاناة سكان الحي تعود إلى ما بعد نكسة حزيران 1967، حين نزح أهالي القنيطرة إلى البلدات المجاورة، وتوزعوا في عدة مناطق، بينها الكسوة الشرقية التي تتبع إداريًا لمحافظة ريف دمشق. وأوضح أن هذه التبعية الإدارية أدت إلى مشكلات مزمنة، إذ لم تحظَ المنطقة بأي بلدية خاصة، على عكس الأحياء الأخرى التي تتبع لمحافظة القنيطرة، ما تسبب بحرمان الأهالي من الخدمات الأساسية لعقود.
تبعيات إدارية وفساد مزمن
وأضاف عزام أن الفساد الإداري والمالي المتعاقب منذ سبعينيات القرن الماضي فاقم من تردي الأوضاع، إذ عاش السكان تهميشًا ممنهجًا، واستمرت الممارسات نفسها حتى بعد استعادة النظام السيطرة على المنطقة، دون تمثيل حقيقي للتجمع داخل بلدية الكسوة. ولفت إلى أن عدد سكان الحي يُقدَّر اليوم بنحو 35 ألف نسمة، بينهم 15 ألفًا من أبناء القنيطرة، والباقي من مختلف المحافظات السورية، يعيشون جميعًا في ظروف معيشية صعبة تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
واقع التعليم المتردي
الواقع الخدمي في الحي يعكس إهمالًا متعمدًا، بدءًا من التعليم، حيث لا تتجاوز المدارس المتوفرة الحد الأدنى من التجهيزات، مع غياب الأسوار والإنارة الليلية، وانعدام شروط الأمان. وأشار عزام إلى أن البنية التحتية للكهرباء متهالكة. يقول: “تنتشر المحولات والخزانات الكهربائية بجوار المنازل بشكل يهدد حياة السكان، فيما يواجه قطاع المياه أزمة خانقة، حيث تصل المياه مرة واحدة في الأسبوع ولساعة واحدة فقط، ما يضطر الأهالي إلى شراء مياه الصهاريج بأسعار باهظة تصل إلى 100 ألف ليرة لعشرة براميل في أوقات الذروة”.
خبز رديء ومخالفات بلا معالجة
لفت عزام في حديثه إلينا إلى أن الخبز يمثل بدوره أزمة أخرى، إذ يعتمد الحي على فرن خاص يقدم خبزًا رديئًا، في ظل غياب أي استجابة لشكاوى الأهالي.
إضافة إلى ذلك، برزت ظاهرة تفشي المخالفات العمرانية التي لم تُعالج منذ عقود، بينها إغلاق طرق رئيسية، واستمرار وجود أبنية آيلة للسقوط رغم كثرة الشكاوى للبلديات. كما تنتشر أكشاك عشوائية تحولت إلى بؤر لتعاطي المخدرات دون أي تدخل من السلطات.
مخاطر صحية وغياب مراكز طبية
ويؤكد عزام أن الوضع الصحي لا يقل سوءًا، إذ لا يوجد مركز صحي فعلي يخدم السكان، سوى نقطة صغيرة تتبع محافظة القنيطرة بإمكانات محدودة جدًا. ويوجد في الحي أكثر من 200 شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ونحو 5 آلاف مريض بأمراض مزمنة بحاجة إلى متابعة طبية مستمرة.
غياب المواصلات وتردي الطرق
أما على صعيد النقل، فتقول المحامية نور الهلال، في حديثها إلى منصة “سوريا 24″، وهي من أهالي المنطقة، وعضو في فريق أبناء الجولان التطوعي الذي يمارس نشاطه في المنطقة: “الحي يفتقر إلى أي خط سرفيس رسمي، ما يجبر السكان على السير لمسافة كيلومترين للوصول إلى أقرب نقطة مواصلات، أو الاعتماد على سيارات الأجرة بتكاليف تثقل كاهلهم”.
تضيف أن المعاناة تزداد بسبب الطرق غير المعبدة والمليئة بالحفر، والتي تتحول شتاءً إلى طين موحل يعيق حركة الأطفال إلى مدارسهم.
دعوات لإنشاء مراكز خدمية وتأهيلية
وختمت نور الهلال بالقول إن سكان التجمع الشرقي ينتمون بمعظمهم إلى الطبقة الفقيرة، ما يستدعي توفير مركز صحي متكامل، إلى جانب مراكز مجتمعية لتأهيل الشباب والنساء عبر دورات مهنية مثل الخياطة والحلاقة، ومبادرات لمعالجة المشكلات الاجتماعية، خصوصًا الإدمان والمخدرات، مؤكدة أن غياب هذه المشاريع يكرّس العزلة ويزيد من هشاشة الوضع الإنساني في المنطقة.