ريف حلب: عودة ممزوجة بالدمار وضعف الخدمات في بيانون

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

بعد سنوات طويلة من النزوح والتهجير، عاد بعض أهالي بلدة بيانون في ريف حلب الشمالي إلى منازلهم عقب سقوط النظام في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لكن فرحة العودة التي طال انتظارها اصطدمت بواقع خدمي وإنساني بالغ القسوة: منازل مهدمة، بنى تحتية شبه غائبة، وأشجار زيتون اقتلعت من جذورها.

مشاعر متناقضة: فرح بالعودة وحزن على الفقد

يروي العائد جمال اسكيف مسيرة نزوحه بالقول: “عدنا منذ بداية التحرير، فقد تهجرنا إلى عدة مناطق بداية الثورة، أولًا إلى حلب، ثم إلى دارة عزة، وبعدها إلى أورم الكبرى، وأخيرًا إلى مدينة أعزاز”، لكنه قرر العودة بعد سقوط نظام الأسد رغم الظروف الصعبة والمأساوية في القرية من انعدام الخدمات وقلة فرص العمل وارتفاع إيجارات المنازل.

وعن المشهد بعد العودة يوضح لمنصة سوريا 24: “وجدناها قرية منكوبة، شبه مدمرة، المنازل منهوبة، الأشجار مقتلعة، حتى آبار المياه والمركز الصحي للقرية والمدارس كلها مدمرة من قبل النظام الفاسد”.

ويضيف اسكيف رابطًا بين الماضي والحاضر: “إن الرجوع هو عودة للحياة إلى بلدنا، إلى قريتنا التي ولدنا وعشنا فيها أحلى أيام العمر، رغم ما مر بها من قصف وفقد أعزاء”، ويؤكد أن مشاعر العودة كانت مختلطة ما بين مشاعر الفرح بالعودة والحزن على الفقد.

ثم يوضح اختلاف الظروف: “نعم، والحمد لله، والأمان بالله، والحياة طبعًا تختلف عن السابق بعد مرور 14 عامًا”.

وعن الواقع الخدمي يقول: “بالنسبة للماء، الناس يعانون كثيرًا؛ فنحن نشتري الصهاريج من القرى المجاورة وبسعر باهظ يتجاوز 90 ألف ليرة. أما الكهرباء، فلا توجد أبدًا”، مشيرًا إلى أن الواقع التعليمي صعب للغاية، إذ توجد مدرسة واحدة لا تتسع لجميع الطلاب في القرية، فيما تحتاج المدرستان الثانويتان إلى ترميم.

ويطالب المنظمات الإنسانية بدعم الأهالي في عمليات ترميم المنازل وآبار المياه والفرن والمركز الصحي، ويختم حديثه بالدلالة على الواقع الزراعي في البلدة التي أدى القطع الجائر للأشجار فيها إلى فقدان مئات أشجار الزيتون، مشيرًا إلى اقتلاع شبيحة الأسد لنحو 312 شجرة زيتون من بستانه.

الرجوع هو الولادة من جديد

العائد محمد خيرو يصف تجربته بتدرج: “لقد عدنا بعد التحرير بقليل، ووجدنا البلدة وكأنها بلدة أشباح، ولكن الفرحة مع ذلك تغمر قلوبنا”. ثم يضيف: “الدمار والخراب كانا واضحين، والسكن أولًا غير صالح. أما التحديات، فهي عديدة: لا ماء، ولا كهرباء، ولا حياة”.
ويتابع رابطًا بين المعاناة والأمل: “الرجوع هو الولادة من جديد، وتباشير للاستقرار. أما المشاعر، فهي حلم يحلم به كل مهجر قسرًا عن وطنه”.

ويؤكد لمنصة سوريا 24 أنه يشعر بالأمان والمحبة في قريته، رغم اختلاف الثقافات المجتمعية بين الماضي والحاضر، مشيرًا إلى غياب الخدمات التي تحدث عنها اسكيف، سواء من تعليم أو صحة أو مياه أو كهرباء.

ويؤكد أنهم يتعاملون مع النقص بالصبر، مشددًا على أن الحاجة الأبرز لسكان القرية هي الماء: “الماء، ثم الماء، ثم الماء”.

ويختم حديثه بالقول: “نعم، إنها معادلة البقاء أو الفناء”، مؤكدًا على مطالب اسكيف للمنظمات الإنسانية بالتدخل لمساعدة الأهالي في ترميم منازلهم وإعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء.

رغم عودة مئات العائلات تدريجيًا إلى البلدة، لا يزال المشهد العام في بيانون يعكس سنوات من التدمير والإهمال. فالبلدة التي تقع شمال محافظة حلب على بُعد نحو 18 كم من مركز المدينة، وتتبع إداريًا لمنطقة أعزاز، كانت قد شهدت منذ عام 2011 مظاهرات سلمية في بدايات الحراك الثوري، سرعان ما قابلها النظام بالقمع الأمني، لتتحول لاحقًا إلى نقطة اشتباك ساخنة بين قواته وفصائل المعارضة، نظرًا لموقعها الاستراتيجي قرب خطوط التماس والطريق المؤدي إلى الحدود التركية.

هذا الصراع أدى إلى دمار واسع في منازل المدنيين والبنى التحتية، وإلى موجة نزوح جماعي استمرت لسنوات. وعلى الرغم من خروج النظام من البلدة أواخر عام 2024، فإن الخدمات الأساسية لا تزال شبه معدومة، والزراعة متراجعة بعد اقتلاع آلاف الأشجار، فيما يقف الأهالي اليوم أمام واقع معيشي شديد القسوة في ظل غياب الدعم الدولي.

المجلس المحلي: عجز مالي وواقع صعب

فيما يتعلق بالواقع الخدمي، يقول عبد الغفور حسين دياب، رئيس المجلس المحلي لبلدة بيانون، لمنصة سوريا 24: إن أبرز النواقص هو افتقار القرية لأهم خدمة، وهي توفير مياه الشرب، كما أن هناك حاجة لإعادة تفعيل مخبز القرية وتأمين مصاريف جرار البلدية وإنارة الشوارع وترميم المدارس.

ويضيف موضحًا العقبات: “أبرز التحديات الخدمية التي نواجهها اليوم هي عدم وجود تغطية مالية لتوفير الخدمات بالشكل الأنسب، وخاصة النظافة”.

ثم يوضح جانبًا آخر: “نعم، هناك استقرار سكاني، والأعداد في تزايد، وشهدت البلدة عودة نازحين في الفترة الأخيرة، طبعًا وبشكل شبه يومي”.

لكن على صعيد المشاريع، يقول: “لم يتم تنفيذ أي مشروع في القرية، ولا توجد مشاريع جديدة قيد التنفيذ أو على خطة المجلس خلال الأشهر القادمة”.

ويتابع حول المياه والصرف الصحي: “يتم تأمين المياه عن طريق الصهاريج من القرى المجاورة وبأسعار مرتفعة جدًا. أما شبكة الصرف الصحي، فهي سليمة بشكل جيد، لكننا نحتاج قواعد (فونط وأغطية) وترميم وصيانة للشبكة”.

الزراعة في مواجهة الانهيار

فيما يتعلق بالواقع الزراعي، يوضح دياب: “قبل الثورة، كانت نسبة الاعتماد على الزراعة 50%، أما الموسم الماضي بعد التحرير، فكانت مواسم الحبوب صيفية، والزيتون موسمه ضعيف جدًا جدًا. أبرز المحاصيل التي تُزرع في المنطقة هي الحبوب”.

ويضيف: “نعم، الزراعة هذا العام تأثرت بالجفاف ونقص الأسمدة والمحروقات حتى درجة العدم”، وأنه لا يوجد دعم أو تنسيق مع منظمات زراعية لتحسين الإنتاج.

ثم يبين خسائر إضافية: “تم قطع أكثر من 5000 شجرة زيتون مثمرة، كذلك توجد سواتر ترابية تعيق عمل المزارعين والأهالي، لأن بيانون سابقًا كانت خط جبهة”، مناشدًا الجهات المختصة بإزالة السواتر من أجل إعادة زراعة الأراضي.

التعليم والصحة: مدارس مدمرة ومستشفى بلا تجهيز

يتابع رئيس المجلس: “رُممت مدرسة، وباقي المدرستين تحتاجان إلى ترميم؛ الثانوية تحتاج إلى ترميم كلي، والابتدائية تحتاج إلى ترميم جزئي. الكادر جاهز تقريبًا من أبناء القرية، ولكن المدرسة المرممة لا تستوعب كل الطلاب”.
أما في القطاع الصحي، فيوضح: “نعم، يوجد مركز صحي يخدم الأهالي، ولكن بدون تجهيزات”.

التماسك المجتمعي والإدارة المحلية

وعن الشأن الاجتماعي، يقول دياب: “نتعامل مع قضايا النزاع الاجتماعي أو مشكلات النزوح عن طريق وجهاء وأعيان القرية”، وأن هناك تعاونًا من الأهالي في تنفيذ القرارات والمبادرات.

ويضيف حول محدودية الإمكانات: “ليس بإمكان المجلس فعل شيء في دعم الشباب والنساء بسبب القدرات المحدودة”.
ويختم بالأرقام: “نسبة الدمار في المنازل والمؤسسات والبنى التحتية: الدمار الكلي 15%، والدمار الجزئي 85%. أما التعداد الحالي لسكان البلدة، فهو 2200 نسمة”.

بين شهادات الأهالي وتصريحات المجلس المحلي، تبدو بيانون أمام مشهد مزدوج: فرحة العودة إلى أرض الأجداد من جهة، وتحديات يومية في الماء والكهرباء والتعليم والصحة والزراعة من جهة أخرى. وبين هذين البعدين، يبقى نداء الأهالي واضحًا: “مساعدة عاجلة لإعادة إعمار المنازل، تأمين المياه، إعادة تشغيل الفرن، وترميم المدارس والمركز الصحي”.

مقالات ذات صلة