أكد نضال شيخاني، مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، في حديث لمنصة سوريا 24، على ضرورة ملاحقة المتورطين في مجازر الكيماوي، وإنصاف الضحايا، وتطهير البلاد من هذا الإرث الثقيل الذي أرهق كاهل السوريين لعقود، حسب تعبيره.
ردًا على تصريحات الأمم المتحدة
وجاء كلام الشيخاني ردًا على تأكيد الأمم المتحدة، خلال جلسة لمجلس الأمن شارك فيها ممثل سوريا الدائم لدى المجلس، إبراهيم العلبي، الجمعة، بأن هناك “فرصة حاسمة حاليًا” لمعالجة ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا، في ظل تعاون الحكومة السورية الجديدة مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بعد سنوات من الجمود والاتهامات المتبادلة اللذين شابا هذا الملف شديد الحساسية.
مؤشرات إيجابية من الإدارة الجديدة
وقال الشيخاني: “لمسنا من الإدارة الجديدة في سوريا مؤشرات إيجابية، تجلّت في فتح المجال أمام الفرق الدولية لزيارة المواقع المشتبه بارتباطها بأنشطة كيميائية، وهي خطوة نعدّها ذات قيمة بالغة في مسار إعادة بناء الثقة، وتأكيد الالتزام بالتعاون الكامل والشفاف مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية”.
وتابع: “نأمل أن تُترجم هذه المبادرات إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع، تشمل ملاحقة المتورطين، وإنصاف الضحايا، وتطهير البلاد من هذا الإرث الثقيل الذي أرهق كاهل السوريين لعقود”.
تقديرات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية
ومطلع نيسان/أبريل الماضي، كشفت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن تقديرات تشير إلى وجود ما يزيد عن 100 موقع يُحتمل أن تكون مرتبطة ببرنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا، اكتُشفت عقب سقوط نظام الأسد السابق.
وفي آذار/مارس الماضي، أجرى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، زيارة إلى مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، معلنًا التزام الحكومة السورية الجديدة بتدمير بقايا البرنامج الكيميائي الذي أنشأه النظام السابق، والامتثال للاتفاقيات الدولية.
توثيق الهجمات الكيميائية في سوريا
ووثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 222 هجومًا كيميائيًا في سوريا منذ أول استخدام للأسلحة الكيميائية في 23 كانون الأول/ديسمبر 2012 وحتى 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، نُفّذ قرابة 98% منها على يد قوات نظام الأسد السابق، ونحو 2% على يد تنظيم داعش.
توزيع الهجمات حسب الجهة المنفّذة
قوات النظام: نفّذت 217 هجومًا كيميائيًا، أسفرت عن مقتل 1514 شخصًا، بينهم:
1413 مدنيًا (214 طفلًا، و262 سيدة).
94 من مقاتلي المعارضة المسلحة.
7 من أسرى قوات النظام السابق المحتجزين لدى المعارضة.
كما أُصيب 11080 شخصًا، بينهم 5 أسرى من قوات النظام كانوا محتجزين لدى المعارضة.
تنظيم داعش: نفّذ خمس هجمات كيميائية في محافظة حلب، تسببت بإصابة 132 شخصًا.
مطلب بإنشاء كيان قضائي مستقل
وفي هذا السياق، أكد الشيخاني على ضرورة إنشاء كيان قضائي مستقل يُعنى بمحاكمة كافة القضايا المرتبطة باستخدام الأسلحة الكيميائية، بما يضمن تحقيق التوازن بين العدالة والشفافية، ويُرسّخ مصداقية الدولة السورية في التزامها بمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.
وأوضح قائلًا: “نحن في مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، نؤمن بأن هذه المرحلة تتطلب شجاعة سياسية، وإرادة وطنية صادقة، وتعاونًا دوليًا مسؤولًا، من أجل طيّ صفحة مؤلمة من تاريخ سوريا، وفتح آفاق جديدة نحو مستقبل أكثر عدلًا وإنصافًا، يليق بتضحيات شعبها ويُعيد لها مكانتها بين الأمم”.
زيارة فريق خبراء دولي إلى دمشق
وفي حزيران/يونيو الماضي، قالت إيزومي ناكاميتسو، الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح الكيميائي، خلال إحاطة في مجلس الأمن، إن فريقًا من الخبراء الفنيين من الإدارة التقنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية زار دمشق في شهر آذار/مارس، لبدء العمل على إنشاء وجود دائم للمنظمة في سوريا، والبدء في التخطيط المشترك لإيفاد فرق إلى مواقع الأسلحة الكيميائية.
تأكيدات سورية أمام مجلس الأمن
وفي أول خطاب له أمام مجلس الأمن، أكد مندوب سوريا الدائم الجديد، إبراهيم العلبي، أن سوريا عازمة على إنهاء ملف الأسلحة الكيميائية بشكل نهائي. وقال إن العاملين في هذا الملف بدمشق “شهود وناجون من هذا السلاح”، وهم مصممون على المضي قدمًا “حتى اليوم الذي تصبح فيه سوريا نقية من آثاره”.
هجوم الغوطة: ذروة استخدام الكيماوي
يُذكر أنه في 21 آب/أغسطس 2013، نفّذت قوات نظام الأسد السابق هجومًا استهدف الغوطتين الشرقية والغربية في ريف دمشق بصواريخ محمّلة بغاز السارين، ضمن سياسة ممنهجة لاستخدام الأسلحة الكيميائية ضد السكان المدنيين، واستهداف واضح للأطفال والنساء، بقصد إرهاب المجتمع وفرض السيطرة بالقوة.
وسجّلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 1144 شخصًا اختناقًا، أي ما يعادل قرابة 76% من إجمالي ضحايا الهجمات الكيميائية التي نفّذها النظام منذ كانون الأول/ديسمبر 2012 وحتى أيار/مايو 2019.
بعد قانوني ودولي
وفي السياق ذاته، رأى الباحث في القانون الدولي، فراس حاج يحيى، أن تصريحات الأمم المتحدة الأخيرة تعكس “لحظة بالغة الأهمية” لإنهاء هذا الملف المأساوي. وأوضح أن الأمر يتصل ببعدين رئيسيين: أولهما تحقيق العدالة للضحايا، وثانيهما استعادة مصداقية الدولة السورية في التزامها بمبادئ القانون الدولي.
وشدد حاج يحيى، في حديث لمنصة سوريا 24، على أن التنسيق الجاد والشفاف بين الحكومة السورية الجديدة والأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية “شرط أساسي لإنجاح العملية وتحويلها إلى خطوة تأسيسية نحو بناء الثقة ومعالجة ملفات أكثر تعقيدًا في المستقبل”.
بين الفرصة والتحدي
ويشكّل ما يشهده ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا اليوم تحولًا نوعيًا، إذ يفتح الباب أمام فرصة تاريخية لإغلاق هذا الملف الذي لطالما استُخدم كسلاح سياسي في أروقة الأمم المتحدة، وسط تحذيرات من أن التحديات الأمنية واللوجستية، فضلًا عن استمرار الضربات الإسرائيلية، قد تعرقل الجهود المبذولة على الأرض.
وبينما رحّبت أطراف دولية وإقليمية بالتطورات الأخيرة، تبقى الأنظار شاخصة نحو الخطوات العملية المقبلة، خصوصًا مع إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية نيتها زيارة عشرات المواقع الإضافية.
وفي حال تُكلّلت هذه المساعي بالنجاح، فإنها لن تعني فقط طيّ صفحة من أكثر الملفات دموية في تاريخ سوريا الحديث، بل قد تشكّل أيضًا نموذجًا دوليًا يُحتذى به في كيفية التعامل مع قضايا نزع السلاح في مناطق النزاع.