مع اقتراب العام الدراسي الجديد، يسابق أهالي قرية البوابية في ريف حلب الجنوبي الزمن لإعادة فتح أبواب التعليم أمام أطفالهم، بعد سنوات من الحرمان نتيجة تدمير المدارس على يد قوات النظام، وما خلّفه ذلك من نزوح واسع للأهالي.
ففي خطوة وُصفت بأنها “بارقة أمل” وسط الخراب، أطلق الأهالي مبادرة مجتمعية لتجهيز مدرسة بديلة عبر شراء 14 كرفانة وتحويلها إلى غرف صفية، إضافة إلى ثلاث غرف مخصصة للإدارة والمعلمين. شملت المبادرة أيضًا تنظيف ساحة المدرسة من الأنقاض، وصيانة دورات المياه وتجهيزها بما يضمن بيئة صحية مناسبة للطلاب.
يقول خالد الطالب، أحد الشبان المشاركين في هذه الحملة، إنهم يعملون منذ أيام متواصلة لتكون المدرسة جاهزة خلال أيام قليلة: “هدفنا أن يبدأ أطفال القرية عامهم الدراسي دون تأخير، وألّا يبقى أي طفل محرومًا من التعليم بسبب دمار المدارس. نحن نؤمن أن التعليم هو السلاح الحقيقي الذي نواجه به الحرب والحرمان”.
ويضيف الطالب أن عدد طلاب القرية كان يتجاوز سابقًا 1500 طالب بين مرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي، إلا أن غياب المدارس دفع كثيرًا من العائلات إلى عدم العودة بعد تحرير القرية. أما اليوم، فقد وصل عدد الطلاب المقيمين إلى نحو 800 طالب، مع توقعات بزيادة العدد مع اكتمال التجهيزات والتحاق مزيد من العائلات.
وبحسب إحصاءات الأهالي، فإن عدد العائلات العائدة إلى القرية تجاوز 700 عائلة، ما يجعل من المبادرة خطوة أساسية لإعادة الاستقرار وتعزيز بقاء السكان في قريتهم.
المبادرة التي تموّلها الجهود الذاتية للأهالي وبدعم شبابي واسع، تعكس – بحسب خالد – إصرار المجتمع المحلي على مواجهة التحديات بأبسط الإمكانات. ويختم حديثه بالقول: “نحن ندرك أن هذه الصفوف ليست مثالية، لكنها بداية ضرورية تفتح أبواب الأمل لأطفالنا. التعليم حق لا يمكن أن يُصادر مهما كانت الظروف”.
هذه التجربة التي تعيشها قرية البوابية ليست استثناءً في شمال سوريا، حيث تدفع المجتمعات المحلية أثمانًا باهظة نتيجة استهداف المدارس والبنية التحتية التعليمية. ومع ذلك، يواصل الأهالي ابتكار حلول بديلة تضمن بقاء التعليم حاضرًا في حياة أطفالهم، باعتباره حجر الأساس لمستقبل أكثر استقرارًا.
لم تأتِ مبادرة أهالي قرية البوابية من فراغ، إذ يعاني ريف حلب الجنوبي منذ سنوات من انهيار شبه كامل في قطاع التعليم. فقد تعرّضت معظم المدارس هناك لدمار واسع جراء القصف الجوي والمدفعي الذي شنّته قوات النظام وحلفاؤه، ما حوّل الأبنية التعليمية إلى ركام أو مقرات عسكرية مهجورة.
وبحسب تقديرات منظمات محلية عاملة في الشمال السوري، فإن نسبة كبيرة من المدارس في ريف حلب الجنوبي خرجت عن الخدمة بشكل كلي أو جزئي، فيما تفتقر المدارس القليلة التي بقيت قائمة إلى المقاعد والسبورات والوسائل التعليمية الأساسية.
هذا الواقع دفع مئات العائلات إلى المخيمات مرة أخرى، أي “نزوح عكسي” نحو مناطق أخرى تتوفر فيها مقومات أفضل للتعليم، الأمر الذي عمّق أزمة التسرب المدرسي ورفع من معدلات عمالة الأطفال.
كما أن غياب الدعم المؤسساتي وضعف إمكانات المجالس المحلية جعلا الأهالي في مواجهة مباشرة مع التحديات. إذ لجؤوا في أكثر من بلدة وقرية إلى حلول بديلة مثل استخدام الخيام والكرفانات أو تحويل المساجد والمنازل إلى صفوف مؤقتة، في محاولة للحفاظ على حق أبنائهم في التعليم ومنع ضياع جيل كامل.
في هذا السياق، تبرز مبادرة البوابية كجزء من حراك أهلي أوسع في الشمال السوري، حيث يسعى الأهالي إلى سدّ الفجوة التي خلّفها غياب الدولة ومؤسساتها التعليمية، والتأكيد على أن التعليم بالنسبة لهم أولوية لا تقل عن أي احتياجات أخرى أساسية.