أكد أنس الكردي من سكان مدينة جبلة الساحلية في حديث لمنصة سوريا 24، أنه بعد مرور تسعة أشهر على التحرير ما يزال الواقع الخدمي في المدينة يتأرجح بين معاناة يومية وتدخلات متفرقة من المجتمع المحلي والمنظمات التطوعية.
يأتي ذلك وسط ضعف واضح في استجابة الحكومة وغياب خطط شاملة لإعادة الإعمار.
كهرباء غائبة ووعود مؤجلة
الكهرباء تأتي في صدارة التحديات التي تواجه المدينة، إذ يشير أنس الكردي إلى أن جبلة لا تزال تعاني من أزمة الكهرباء رغم الوعود الحكومية بالتحسن، والمسؤولون تحدثوا عن خطوط ذرية جديدة، لكن الواقع يؤكد أن البنية التحتية متهالكة للغاية، وهو ما جعل مدنًا أخرى مثل حلب وحمص وحماة تشهد تحسناً أسرع من الساحل.
ولفت الكردي إلى أن ضعف الشبكة الكهربائية انعكس على مختلف القطاعات، بما في ذلك ضخ المياه والمواصلات والخدمات الصحية.
مياه متقطعة وجدولة بين الأحياء
أما المياه، فتخضع لنظام المناوبة بين الأحياء: “الوضع المائي يتأرجح بين شد وجذب، فالأحياء تتلقى المياه في ساعات محددة، بينما يعتمد السكان على الطاقة البديلة لتشغيل المضخات في حال توفرها”.
هذا النقص جعل الأهالي يبتكرون حلولًا بسيطة، من بينها تقاسم المياه بين الجيران أو استخدام الصهاريج الخاصة، لكن الكلفة المرتفعة تبقى عائقًا أمام ذوي الدخل المحدود.
مواصلات متعثرة وبنية تحتية متهالكة
قطاع المواصلات لم يشهد تغييرات كبيرة. الطرقات تعاني من التهالك، وبعضها فقط جرى تأهيله بجهود محلية. ويضيف الكردي: “هناك طرقات لا بأس بها، وأخرى بحاجة ملحة إلى إعادة تأهيل. المنظمات المحلية لفتت النظر لهذه المشكلة، لكن الحلول لا تزال جزئية”.
ويؤكد أن المجتمع المحلي يحاول التخفيف من الأزمة عبر مبادرات مثل إصلاح بعض الشوارع أو الإنارة باستخدام الطاقة الشمسية، حيث بادر الأهالي إلى وضع مصابيح أمام بيوتهم لدرء السرقة وإضفاء قدر من الأمان في شوارع تغرق بالظلام.
الصحة: مبادرات تضيء الأمل
الخدمات الصحية بدورها واجهت تراجعًا كبيرًا بعد اندلاع المعارك وحرق المجمع الحكومي، الذي كان يحوي وثائق ومستندات رسمية إلى جانب ملفات خدمية، لكن جهود الأهالي والمنظمات التطوعية أسهمت في إعادة ترميم بعض المراكز الصحية.
الكردي تحدث عن “مستوصف الفيض” الذي أعيد ترميمه بتبرعات من أهالي الخير، إضافة إلى مستوصف آخر في حي العزة. هذه المبادرات أعادت بعض الأمل للمدينة التي كانت تعاني من غياب شبه كامل للخدمات الطبية بعد سقوط النظام.
وخلال الأيام الماضية، شهدت جبلة افتتاح مستوصف الشفاء الصحي بشكل رسمي في حي العزة، بمبادرة من رابطة “معاً من أجل جبلة” وفريق “ملهم” التطوعي، وبإشراف من مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل.
وقالت الرابطة على حسابها في فيسبوك إن المركز سيقدم خدمات طبية “بكفاءة وجودة عالية”، في خطوة جديدة لتعزيز الرعاية الصحية في المدينة.
دور المنظمات والمجتمع المدني
من أبرز ما يميز المشهد في جبلة، بحسب الكردي، هو حضور المجتمع المحلي والمنظمات التطوعية بقوة. فقد لعبت مبادرات مثل فريق ملهم ومنظمة يدًا بيد دورًا بارزًا في إعادة الإعمار الجزئي، سواء في الإنارة العامة أو ترميم المراكز الصحية، إضافة إلى مشاريع إحياء الكورنيش البحري ومنطقة الفيض.
ويؤكد الكردي أن هذه الجهود “تعبّر عن تكاتف مجتمعي في مرحلة صعبة، حيث يتعاون السكان والمنظمات مع مؤسسات الدولة لتأمين الحد الأدنى من الخدمات”.
بين الواقع والتطلعات
يبقى المشهد الخدمي في جبلة متناقضًا: من جهة، ضعف حكومي في التخطيط والتنفيذ، ومن جهة أخرى، مبادرات أهلية ومنظمات محلية تحاول سد الفجوات، في حين لا تزال الكهرباء والماء والمواصلات من أبرز التحديات، بينما الصحة شهدت تحسنًا نسبيًا بفضل الجهود الشعبية.
ورغم هذا، يأمل الأهالي أن تكون هذه المبادرات بداية لتغيير أكبر، وأن تحظى جبلة بخطة شاملة تعيد إليها الحياة الطبيعية، لا سيما أنها دفعت ثمنًا باهظًا خلال السنوات الماضية، وما زالت تنتظر دورًا حكوميًا أكثر جدية في إعادة الإعمار.