قانون الضريبة الجديد.. جدل حول المشاريع الصغيرة في سوريا

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

بين وعود بتحويل وزارة المالية إلى شريك في التنمية، ومخاوف من زيادة الأعباء، يثير مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد في سوريا جدلًا واسعًا حول انعكاساته على المشاريع الصغيرة والقطاعات الإنتاجية.

رأى الخبير الاقتصادي والوزير السابق في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، خلال حديثه لمنصة “سوريا 24″، أن مشروع التعديلات الضريبية الجديد يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق العدالة بين المكلفين وتعزيز الشفافية في السوق، مع مراعاة خصوصية بعض القطاعات الحيوية.

وفي الوقت نفسه، شدد مدير البحوث الاستراتيجية في جامعة دمشق، الدكتور معروف الخلف، على أن قضية الضرائب تُعد من الملفات الجوهرية في المرحلة الاقتصادية الحالية، لما لها من تأثير مباشر في إعادة التوازن المالي ودعم عملية التعافي.

تصريحات رسمية ومؤشرات إصلاح

وتأتي تصريحات الخبيرين على خلفية إعلان وزير المالية، محمد يسر برنية، في وقت سابق، عن إنجاز مشروع قانون جديد للضريبة على الدخل، واصفًا إياه بأنه «أهم مفاصل الإصلاح الضريبي في وزارة المالية»، مؤكدًا أن القانون يهدف إلى تحويل الوزارة من «وزارة جباية وقهر إلى وزارة تنمية وبناء وشراكة»، عبر تقديم حزمة واسعة من الإعفاءات لتعزيز التنمية الاقتصادية، وتيسير التجارة، وتحفيز الاستثمار.

الانتقال من الشركات العائلية إلى المساهمة

وأوضح المصري أن القانون يتضمن إعادة تقييم أوضاع الشركات ونقلها من الطابع العائلي المغلق إلى صيغة الشركات المساهمة، بما يتيح لها دخول السوق المالي، ويشجع على الاستثمار وتوسيع قاعدة المساهمين.

كما أشار إلى أن المادتين السابعة والتاسعة من المشروع تمثلان محور اهتمام خاص، كونهما تعالجان آليات التقدير الضريبي، سواء على أساس الدخل الظاهر المباشر أو عبر المقايسة ومقارنة الحسابات بين المؤسسات.

وبيّن أن النظام المقترح يعتمد الضريبة التصاعدية، بحيث تكون النسب مقبولة وعادلة، مع وجود حد أدنى معفى يُقدر بستين مليون ليرة سنويًا، مؤكدًا أن الإعفاءات تشمل قطاعات أساسية مثل الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، إضافة إلى التعاونيات والأنشطة ذات البعد الاجتماعي.

الإعفاءات الضريبية تدعم المشاريع المنتجة

هنا يتقاطع رأي الخلف مع الطرح، إذ أوضح أن الفلسفة الأساسية للضرائب ينبغي أن تركز على الأرباح وعناصر الإنتاج (الأرض، رأس المال، العمل، وريادة الأعمال)، لا على المستهلكين بصورة مباشرة، بحيث تتحمل المشاريع وأصحاب رؤوس الأموال العبء الأساسي، بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الاقتصادية وظروف السوق المحلية.

وأشار إلى أن مسألة الإعفاءات الضريبية جزء من منظومة متكاملة، تستهدف دعم المشاريع المنتجة وتخفيف العبء عن القطاعات الحيوية، ولا سيما التعليم والصحة والقضاء.

معالجة الازدواج الضريبي وتشجيع المساهمات

كما أضاف المصري أن من بين القضايا الجوهرية معالجة الازدواج الضريبي على توزيعات الأرباح في الشركات المساهمة، بحيث لا يُثقل كاهل المستثمر مرتين: مرة عند دفع ضريبة الأرباح من قبل الشركة، ومرة أخرى عند استلام التوزيعات النقدية.

ولفت أيضًا إلى دور المسؤولية الاجتماعية للشركات، معتبرًا أن القانون الجديد يشجع على المساهمات المجتمعية والتبرعات والأنشطة الخيرية، بما يعزز ثقة المجتمع بالقطاع الخاص.

عدالة الإيرادات والضرائب المباشرة

بينما شدد الخلف على أن تحديد الإيرادات الضريبية يجب أن ينطلق من أولويات الإنفاق، حيث تُرسم الحاجات الأساسية للدولة أولًا، ثم تُحدد مصادر التمويل، وفي مقدمتها الضرائب المباشرة.

وأكد أن الاعتماد على الضرائب غير المباشرة (المفروضة على المستهلكين) يظل خيارًا غير عادل وضعيف الأثر، إذ لا يراعي الفوارق الاجتماعية ويزيد من أعباء الفئات محدودة الدخل.

الشفافية ومكافحة التهرب الضريبي

وفيما يتعلق بالشفافية، نوّه المصري إلى أن القانون يفرض على الشركات الاحتفاظ بحساباتها لفترة لا تقل عن أربع سنوات، مع منحها فرصة لتصحيح بياناتها خلال مهلة محددة من دون غرامات، على أن تُطبق العقوبات بصرامة في حالات التأخير المتكرر أو التلاعب الواضح.

وختم بالقول إن هذه الإصلاحات تمثل خطوة إيجابية نحو ترسيخ العدالة الضريبية، مكافحة التهرب، وتحفيز الاستثمار، مع إعطاء أولوية لدعم القطاعات الإنتاجية.

أما الخلف فختم مؤكدًا أن المرحلة الحالية ما زالت في إطار التعافي الاقتصادي، وأن أي سياسة ضريبية يجب أن تراعي هذا الظرف، بحيث توازن بين حاجة الدولة إلى الإيرادات وبين ضرورة تشجيع النمو ودعم النشاط الاقتصادي، مشددًا على أن الإصلاح الضريبي في سوريا يجب أن يتجه أكثر نحو الضرائب المباشرة على الأرباح، مع ضبط الإعفاءات وضمان عدالة التحصيل، بما يحقق التوازن بين الإيرادات العامة وأولويات المجتمع في مجالات الصحة والتعليم والقضاء.

مناخات ضريبية متعددة في العالم

تُظهر التجارب العالمية أن لكل دولة نموذجًا ضريبيًا ينسجم مع أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية. ففي أوروبا، تقوم النظم الضريبية على التصاعدية العالية لإعادة توزيع الدخل وتمويل شبكات الرعاية، بينما تميل الولايات المتحدة إلى نموذج مرن يمنح حوافز واسعة للشركات ويُبقي نسب الضريبة أقل.

أما في كثير من الدول النامية، فيُعتمد بشكل أكبر على الضرائب غير المباشرة، كضريبة القيمة المضافة، وهو ما يُنتقد كونه يُحمل الفئات محدودة الدخل العبء الأكبر.

وبحسب الخبير عبد الحكيم المصري، فإن العدالة الضريبية في سوريا لن تتحقق إلا عبر نظام تصاعدي واضح يوازن بين الإيرادات وتشجيع الاستثمار، مع إعفاء قطاعات الإنتاج والزراعة.

في حين يشدد الدكتور معروف الخلف على أن النموذج الأمثل لسوريا هو الذي يُركز على الأرباح وعناصر الإنتاج، لا على المستهلكين، بحيث تتحمل المشاريع ورؤوس الأموال العبء الأكبر، في انسجام مع ظروف التعافي الاقتصادي.

نظام ضريبي سوري متوازن

وبذلك، يرى الخبراء أن سوريا تحتاج إلى مزيج يجمع بين التصاعدية الأوروبية والمرونة الأمريكية، لكن مع تجنب النموذج النامي المعتمد على الضرائب غير المباشرة، لما يسببه من ظلم اجتماعي.

أي أن النظام الضريبي الأنسب لسوريا هو الذي يُعيد توزيع الدخل بعدالة، ويمنح في الوقت نفسه حوافز للاستثمار في القطاعات الإنتاجية.

مقالات ذات صلة