دير الغربي.. مدارس مدمَّرة وأطفال مهددون بالحرمان من التعليم

Facebook
WhatsApp
Telegram

بعد نحو عشرة أشهر على تحرير قرية دير الغربي جنوب معرة النعمان بتاريخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، ما تزال ملامح الحياة تعود تدريجياً إلى البلدة التي شهدت دماراً واسعاً طاول أكثر من 70% من منازلها وبنيتها التحتية. ومع عودة ما يزيد على 500 عائلة من النزوح، يواجه الأهالي تحدياً جديداً لا يقل قسوة: غياب بيئة تعليمية صالحة لأطفالهم.

مدارس شبه مدمرة

تضم دير الغربي ثلاث مدارس ابتدائية ومدرستين إعدادية للبنات والذكور، إضافة إلى مبانٍ كانت تُستخدم سابقاً كمدرسة ثانوية. إلا أن معظم هذه الأبنية، بحسب ما أوضحه المدرّس مصطفى قسوم لـ”سوريا 24“، بات غير صالح للتعليم نتيجة القصف المدفعي والصاروخي الذي تعرّضت له المنطقة.

يقول قسوم: “المباني بحاجة إلى إعادة بناء كاملة أو ترميم شامل. بعض الغرف مهدمة كلياً، فيما تفتقر أخرى للأبواب والشبابيك والسبورات والطاولات. حتى المبنى الجديد المؤلف من طابقين تعرض لضربات مباشرة ويحتاج إلى إعادة إعمار من الصفر”.

بين جدران متصدعة وأرضيات تغطيها بقايا الحجارة والزجاج المكسور، يجلس بعض الأطفال على مقاعد خشبية قديمة، فيما يضطر آخرون للجلوس على الأرض لغياب المقاعد الكافية. السبورة السوداء بالكاد تصلح للكتابة، والأبواب المخلّعة تترك الفصول عرضة للبرد والهواء، ما يجعل مشهد الصف الدراسي أقرب إلى أطلال منه إلى بيئة تعليمية.

في المرحلة الابتدائية وحدها يوجد نحو 180 طالباً وطالبة موزعين على ثماني شعب، بينما يضم المستوى الإعدادي قرابة 130 طالباً ضمن ست شعب. ويشير قسوم إلى أن الحل الإسعافي يكمن في تجهيز ست غرف على الأقل بالأبواب والشبابيك واللوازم الأساسية، لتُستخدم بنظام دوامين صباحي ومسائي، محذّراً من أن بقاء الوضع على ما هو عليه سيحرم عشرات الأطفال من حقهم في التعليم هذا العام.

بنية تحتية معدومة

الصعوبات لا تقف عند حد الأبنية المهدمة، إذ يصف الصيدلي علاء العلي، وهو أحد سكان القرية ووالد لعدد من التلاميذ، واقع المدارس بأنه “تحت الصفر”. ويوضح في حديثه لـ”سوريا 24“: “المقاعد قليلة مقارنة بعدد الطلاب، السبورات نادرة، ومياه الشرب غير متوفرة، ما دفع إدارة المدرسة لصرف الطلاب مبكراً أكثر من مرة. كما أن أغلب دورات المياه مهدمة وغير صالحة للاستخدام”.

إلى جانب ذلك، يفتقر الطلاب إلى أبسط المستلزمات من دفاتر وأقلام، فيما يعجز معظم الأهالي عن شراء زي مدرسي موحد لأبنائهم بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. ويضيف العلي: “لو وُزعت مساعدات بسيطة كالدفاتر والأقلام أو الملابس المدرسية لكان ذلك عوناً كبيراً للأطفال وأسرهم”.

غياب رسمي

ورغم هذه التحديات، لم تسجَّل حتى اليوم أي زيارة أو مبادرة رسمية من الجهات المسؤولة لمعاينة واقع التعليم في دير الغربي أو وضع خطط عملية لمعالجة الأزمة، في وقت تعوِّل فيه مئات العائلات العائدة على عودة المدارس لتأمين مستقبل أبنائها، خاصة أن القرى المجاورة مثل تقانا وبسيدا وإرمنايا ووادي سقعة تعتمد إدارياً وخدمياً على دير الغربي، وفق ما أكده أحمد الخطاب من المكتب الإعلامي لـ”سوريا 24″.

ما تعانيه دير الغربي ليس حالة فردية، إذ تكشف تقارير منظمات محلية أن عشرات القرى في ريف إدلب الجنوبي والشمالي تعيش ظروفاً مشابهة، حيث تحوّلت المدارس إلى مبانٍ مدمرة أو مراكز إيواء، بينما يقف آلاف الطلاب أمام خطر التسرب من التعليم. هذا الواقع يضع ملف التعليم في شمال غرب سوريا برمّته أمام تحديات عميقة تتجاوز الإمكانات المحلية.

مستقبل غامض

ويرى التربويون أن غياب التدخل السريع لترميم المدارس وتأمين مستلزمات التعليم الأساسية، سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمية بين الأطفال، وزيادة التسرب الدراسي، الأمر الذي ينعكس سلباً على مستقبل جيل كامل.

إذ أن التعليم في مثل هذه المناطق لا يُعتبر مجرد خدمة، بل صمام أمان يمنع انجراف الأطفال نحو عمالة مبكرة أو مخاطر التجنيد في الصراعات المسلحة.

ومع بداية العام الدراسي الجديد، يقف أطفال دير الغربي بين خيارين أحلاهما مر: إما متابعة تعليمهم في مدارس مدمرة تفتقر لأبسط شروط البيئة الصحية والتعليمية، أو البقاء خارج مقاعد الدراسة بانتظار حلول قد لا تأتي قريباً.

مقالات ذات صلة