ألقى الرئيس أحمد الشرع، اليوم الأربعاء، كلمة وُصفت بـ”التاريخية” أمام أعضاء الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، عرض خلالها قراءة شاملة لمسار الأزمة السورية، وقدم خارطة عمل سياسية وإنسانية مؤلفة من مطالب داخلية وخارجية تهدف إلى الانتقال من حالة الصراع إلى مرحلة إعادة الإعمار والدولة.
في مستهل كلمته قال الشرع: “جئتكم من دمشق، مهد التاريخ والحضارات”، واعتبر أن “الحكاية السورية عبرة من التاريخ في معركة بين الحق والباطل”.
وأعاد خلال حديثه التأكيد على أن الشعب السوري “ثار منادياً بالحرية والكرامة”، وأن هذا السعي واجهه نظام الأسد بـ”القتل والتنكيل والتهجير”.
وتحدث الرئيس الشرع في كلمته عن “خسائر بشرية ومآسٍ واسعة” تسبب بها نظام الأسد بحق السوريين، مشيراً إلى أن النظام السابق تسبب في “وفاة نحو مليون شخص، وهجرة ما يقارب 14 مليوناً”، كما تحدث عن “نحو 200 هجوم كيماوي موثق”.
وأضاف أن ما حصل دفع الشعب لتنظيم صفوفه وخوض معركة استعادة الحق، واعتبر أن هذا النضال مهّد لبدء مسارات لإعادة اللاجئين وكسر شبكات الجريمة والمخدرات.
سياسياً، عرض الشرع عدة التزامات وإجراءات أشار إليها على أنها شكّلت أولويات المرحلة الانتقالية، من بينها تأسيس “عدالة انتقالية” لمساءلة من يثبت تورطهم في انتهاكات، والمضي قدماً في انتخابات لمجالس الشعب، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لحصر السلطات في إطار دستوري يحمي حكم القانون.
كما أعلن عن تعديل أطر الاستثمار لتهيئة بيئة جاذبة لشركات كبرى للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار، ما أدى إلى تدفق كبرى الشركات العالمية للاستثمار في البلد.
وعلى الصعيد الدولي، طالب الرئيس المجتمع الدولي بـ”رفع كامل للعقوبات” عن الشعب السوري، واعتبر أن ذلك شرط أساسي لتسريع التعافي الاقتصادي وتنفيذ برامج إعادة الإعمار. ودعا كذلك إلى “دعم إنساني ومادي منظم” لتلبية احتياجات النازحين وإعادة تأهيل البنى التحتية المتضررة.
واحتل الملف الإنساني حيزاً بارزاً في الخطاب، حيث جدد الشرع تضامن سوريا مع أهالي غزة، قائلاً إن “الألم الذي عاشته سوريا لا نتمناه لأحد”، ودعا إلى وقف العنف فوراً، وحماية المدنيين، وتجميد العمليات العسكرية ضد السكان المدنيين.
فيما يخص الأمن الإقليمي، أكد الشرع التزام بلاده بالمسارات الدبلوماسية والمعاهدات الإقليمية، بما في ذلك قواعد فض الاشتباك مع إسرائيل التي اتُّفق عليها في عام 1974، داعياً إلى حوار إقليمي يهدف إلى تثبيت الاستقرار ومنع انزلاق المنطقة إلى نزاعات مطوّلة.
وشكر الرئيس الشرع في ختام كلمته قطر والسعودية وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دعم السوريين، مؤكداً أن الحكاية السورية لم تنتهِ بعد، وأن القادم هو السلام والازدهار والتنمية.
لماذا كلمة الرئيس الشرع تاريخية؟
ويعود آخر ظهور لرئيس سوريا من على منبر الأمم المتحدة إلى كلمة الرئيس السوري نور الأتاسي عام 1967، ومن ثم جاء عهد الأسدين، الذين تسببا بقطيعة مع كل دول العالم.
انضمام سوريا للأمم المتحدة:
سوريا تُعد من الدول العربية التي شاركت مبكراً في تأسيس منظمة الأمم المتحدة. ففي عام 1945، أوفدت الحكومة السورية وفداً إلى مؤتمر سان فرانسيسكو، حيث تمت صياغة ميثاق الأمم المتحدة. وقّعت سوريا على الميثاق في 26 حزيران/يونيو 1945، وأصبحت عضويتها نافذة في 24 تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، وهو التاريخ الذي يُعتبر رسمياً يوم ميلاد المنظمة.
بهذه الخطوة، رسّخت سوريا حضورها كدولة مستقلة حديثة العهد بالتحرر من الانتداب الفرنسي، وأكدت رغبتها في أن تكون جزءاً من النظام الدولي الجديد الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية.
لاحقاً، خلال تجربة الوحدة مع مصر عام 1958، شاركت سوريا في المنظمة تحت اسم “الجمهورية العربية المتحدة”، حيث جرى دمج المقعد السوري والمصري في كيان واحد. ومع ذلك، لم تُسجل أي ثغرة قانونية في عضوية سوريا، بل بقيت ضمن قائمة الدول المؤسسة.
بعد الانفصال في عام 1961، وجّهت الحكومة السورية مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 13 تشرين الأول/أكتوبر تطلب فيها استئناف تمثيلها المستقل. استجابت المنظمة سريعاً، فعاد المقعد ليحمل اسم “الجمهورية العربية السورية”، وبقي متصلاً منذ ذلك الحين وحتى اليوم.