ريف الرقة: توجه نحو صناعة الطوب الطيني لمواجهة غلاء البناء

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

في ظل الارتفاع المتزايد في تكاليف مواد البناء التقليدية، وخاصة الأسمنت والطوب الإسمنتي، شهدت مناطق ريف الرقة توجهًا كبيرًا لدى السكان نحو صناعة الطوب الطيني، أو ما يعرف بـ”لبن” الطوب الطيني، كبديل اقتصادي وعملي. يأتي هذا التوجه استجابة مباشرة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الأهالي، حيث يمثل الطوب الطيني حلاً يقلل من التكلفة بشكل كبير، مع الحفاظ على جودة البناء.

تنطلق عملية صناعة الطوب الطيني بشكل رئيس في فترتي الربيع والخريف، وهما الفترتان الأكثر ملاءمة من حيث الأحوال الجوية لتصنيعه بأفضل طريقة ممكنة. وتعتمد هذه الصناعة على مكونات محلية متوفرة بكثرة، أبرزها التراب الكلسي الذي يشكل المادة الأساسية، إضافة إلى التبن ومخلفات القمح التي تضاف لتحسين خواص الطوب. هذه المواد لا تعمل فقط على خفض التكلفة، بل تعطي الطوب الطيني صلابة وقساوة، إلى جانب سرعة جفافه مقارنة ببعض أنواع الطوب الأخرى.

أثرت الظروف الاقتصادية الصعبة على خيارات الأهالي، حيث بلغت تكلفة بناء غرفة واحدة من الطوب الإسمنتي بالأسمنت ما يقارب 2000 دولار، في حين لا تتجاوز تكلفة بناء الغرفة نفسها من الطوب الطيني 500 دولار فقط، مما يجعل الخيار الاقتصادي واضحًا ومفضلًا للغالبية. هذا الفارق الكبير في التكلفة يمكّن الأسر من بناء مساكن أو غرف إضافية لتلبية حاجاتها، والتي تُستخدم بكثرة لبناء الاصطبلات والمداجن، إضافة إلى المنازل.

وقد أوضح محمد العلي من قرية خربة هذلة في تصريح خاص لسوريا 24: “لقد باشرت بصناعة اللبن لبناء غرفة إضافية في منزلي، وقد اخترت اللبن لأن الأسمنت بات باهظ الثمن وتكاليفه لا تُحتمل”.

وأكد العلي أن من خواص اللبن مقاومته للظروف الجوية، وخاصة في مناخ الرقة القاسي صيفًا وشتاءً: “غرف اللبن دافئة شتاء وباردة صيفًا، وهذا مناسب جدًا في مناخنا القاسي، فالبيوت الأسمنتية حارة صيفًا وباردة شتاء”.

وأشار حسن العلي من قرية الدحل في ريف الرقة الشمالي: “تدمر منزلي خلال المعارك التي مرت بها المنطقة سابقًا، لذلك قمت ببناء منزلي من الطين، لأني لا أملك القدرة المادية لبناء بيت إسمنتي”.

من جانبه قال محمد نور الساير، عامل في صناعة الطوب الطيني: “يُعتبر موسم صناعة اللبن من المواسم التي ننتظرها طيلة العام، إذ قمت أنا ومجموعة من الشباب بتشكيل فريق لصناعة اللبن”.

وقد أوضح الساير أن هناك إقبالًا كبيرًا من قبل السكان على صناعة اللبن: “لقد اختفت هذه الصناعة قبل الأحداث السورية، ولكن عادت مؤخرًا للظهور وبكثرة، بسبب ضعف الحالة المادية لسكان المنطقة”.

في المجمل، يمكن القول إن التوجه الكبير نحو صناعة الطوب الطيني في ريف الرقة يعكس موقفًا عمليًا وحكيمًا من الأهالي لمواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية في آن واحد، مع الحفاظ على الاستقلالية الاقتصادية والتمسك بالتراث المحلي. كما يمثل هذا الاتجاه فرصة لإعادة إحياء الحرف التقليدية التي تدمج بين المهارة والاقتصاد، مما يعزز قدرة المجتمع على الصمود في وجه الأزمات، ويوفر حلولًا بناءة ومستدامة تلبي الحاجات المحلية.

مقالات ذات صلة