مجلس الشعب الجديد… خطوة نحو الديمقراطية أم محطة شكلية؟

Facebook
WhatsApp
Telegram

أحمد زكريا - خاص سوريا 24

دخلت سوريا مرحلة سياسية مفصلية مع إعلان اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب قائمة المترشحين لعضوية المجلس، وإطلاق الحملة الانتخابية صباح الاثنين 29 أيلول/سبتمبر 2025، والتي تستمر حتى مساء الجمعة 3 تشرين الأول/أكتوبر، على أن يخصص يوم السبت للصمت الانتخابي، ويوم الأحد لفتح باب الاقتراع المباشر أمام أعضاء الهيئات الناخبة.

اللجنة التي تشكّلت بموجب المرسوم الرئاسي رقم 66 الصادر في 13 حزيران/يونيو 2025، أكدت أن مهمتها في هذه المرحلة هي “تهيئة الظروف لتشكيل أول مجلس شعب يمثّل السوريين تمثيلًا حقيقيًا بعد عقود من التزوير والتهميش”، وأنها تُعدّ إحدى الركائز الرئيسية لإعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة قوامها دولة القانون والمواطنة والمشاركة.

أرقام وهيكليات انتخابية

المجلس التشريعي المقبل يتألف من 210 مقاعد، منها 140 بالانتخاب المباشر، فيما يُعيّن رئيس الجمهورية 70 مقعدًا. أما عدد الدوائر الانتخابية فبلغ 60 دائرة، تشرف عليها 60 لجنة فرعية، وبحدٍّ أقصى 200 عضو لكل لجنة.

ووفق اللجنة، فإن هذه الآلية تسعى لتشكيل مجلس كفاءات يراعي التمثيل الجغرافي والاجتماعي والمهني، ويضمن مشاركة المرأة والأقليات والإثنيات والطوائف، ليكون أول برلمان بعد الثورة انعكاسًا لتضحيات السوريين وطموحاتهم.

تصريحات اللجنة العليا: من الثورة إلى الدولة

عضو اللجنة العليا للانتخابات، محمد ولي، أكد أن العملية الانتخابية تهدف إلى الوصول إلى ثلثي أعضاء مجلس الشعب من خلال انتخابات تُجرى ضمن هيئات ناخبة تمثل المجتمعات المحلية.

وقال في حديث لمنصة سوريا 24: “تشكل الانتخابات محطة مفصلية في تاريخ سوريا الجديد. يقع على عاتقها إحداث ثورة تشريعية داخل مجلس تشريعي يمثل تطلعات السوريين ويعكس تضحياتهم في الثورة السورية. تشكل هذه الآلية الصيغةَ المناسبة لسوريا التي تمر بمرحلة انتقالية، والتي نضمن من خلالها مكتسبات الثورة السورية.”

وأضاف ولي أن “المبدأ الأساسي الذي ننطلق منه هو الفرز المجتمعي لتشكيل لجان فرعية، يتم اختيار أعضائها وفق توفر 17 شرطًا واردًا في النظام الانتخابي المؤقت. بعد ذلك، تقوم لجان فرعية بتشكيل هيئات ناخبة تمثل مجتمعاتها وتعكس تنوعها، وتنوعَ التخصصات، ومشاركة المرأة”.

وشدد على أن المأمول من المرشحين أن “يحملوا أسس وقيم الثورة السورية، وأن تكون مهمتُهم الأساسية خدمة المصلحة الوطنية العليا للشعب السوري والدولة السورية، ووضع وسن القوانين والتشريعات، وإصلاح القوانين المرتبطة بالنظام السابق، بما ينقل سوريا إلى دولة القانون ودولة العدالة”.

وختم بالقول: “نأمل من المرشحين أن يقدموا مشاريع وبرامج وطنية تخدم المشروع السوري الوطني، وتعزز التعايشَ المشترك والتماسك المجتمعي، ومواكبة تطورات المجتمعات واحتياجاتها”.

الحملات الانتخابية: ضوابط ومتابعة

المتحدث باسم اللجنة العليا، نوار نجمة، أوضح أن الحملات الانتخابية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: عرض السيرة الذاتية للمرشح، عرض البرنامج الانتخابي، وإجراء مناظرات ثقافية وفكرية وسياسية.

وأضاف في حديث لمنصة سوريا 24، أن الهيئة لاحظت منذ اليوم الأول نشر بيانات انتخابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأكد أن “أي مخالفة للتعليمات ستواجه بحزم، والعقوبة الأساسية هي إلغاء الترشح”، حفاظًا على نزاهة العملية والتزامًا بالقوانين.

المرشحة كندة حواصلي: “الإنسان أولًا”

من جانبها، قالت المرشحة كندة حواصلي في حديث لمنصة سوريا 24: “هذه الانتخابات مهمة جدًّا في المرحلة الحالية، لأنها ستضع أسس جسمٍ وكيانٍ سيكون له مسؤولية إقرار الحالة التشريعية في المرحلة الانتقالية، وتمهيد الجو أو تمهيد البيئة المناسبة من أجل الانتقال إلى نظام سياسي أكثر استقرارًا، ودستورٍ متوافق عليه، والتحضير لانتخابات نموذجية تشمل انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة وفق العرف المطلوب. فالآن، هذه الانتخابات مهمة لأننا في حالة فراغ دستوري سوري”.

وتابعت: “الأمر الآخر أن السوريين الآن يكتشفون أصواتهم، ويريدون أن يشاركوا، ويريدون أن يصححوا الخلل الذي كان موجودًا لعقودٍ في سوريا، فهناك اهتمام كبير، وهناك متابعة واسعة حتى من الجمهور العام، الذي يطرح الأسئلة وينتقد، وهو متابع ومتابع بدقة، وهذا يعني وجود حالة من المساءلة أكبر”.

وأضافت حواصلي أن المأمول من المجلس الجديد أن “يستعيد دوره الرقابي، وأن نتمكن من تصحيح العلاقة معه، وتصحيح صورته في أذهان السوريين؛ من كونه مجلسًا للتصفيق والهتافات والشعارات الفارغة، إلى مجلسٍ ذي مصداقية وتأثير، يعكس الإرادة الشعبية، ويساهم في سن القوانين، ويعمل على مساءلة المسؤولين”.

وأكدت أن هدفها أن “نقدّم نموذجًا للنائب القريب من الناس، لا توجد بينه وبينهم جدران، يفهم وجعهم، وينقل صوتهم، ويسعى لمصلحتهم، وليس مجرد نائبٍ يحضر الجلسات أو يتغيب عنها ويقطع صلته مع الشعب”.

وبرنامجها الانتخابي جاء تحت شعار “الإنسان أولًا”، ويرتكز على تعزيز الرقابة والمساءلة في الدوائر المحلية، دعم لجان برلمانية متخصصة في التعليم وقضايا النزوح وتمكين النساء والشباب، وبناء تحالفات لسن قوانين ملزمة للحكومة.

كما شددت على التزامها بتصحيح صورة النائب البرلماني، وتقديم نموذج لمشاركة نسائية فاعلة تستند إلى خبرة ومعرفة، تمنح النساء صوتًا أقوى وتدفعهن للانخراط في الشأن العام.

المرشح محمد ياسين النجار: “تشريع للنهضة… ورقابة للتنمية”

من جهته، قال المرشح محمد ياسين النجار في حديث لمنصة سوريا 24: “تكمن أهمية هذه الانتخابات في كونها محطة تأسيسية تاريخية، تشبه إلى حد بعيد ما مرت به أممٌ عظيمة في لحظات تحولها الكبرى، إنها لحظتنا السورية التي توازي تجربة الولايات المتحدة في عام 1789 عندما وضعت دستورها لتؤسس لدولة حديثة، وتشابه تجربة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وكوريا الجنوبية بعد الحرب الكورية، حين أعادت كلتا الدولتين بناء نفسيهما من خلال مؤسسات تشريعية تأسيسية قادت إلى النهضة، لذا نحن أمام فرصة تاريخية لن تتكرر للانتقال من مرحلة الاعتراف الدولي إلى بناء دولة القانون والمؤسسات”.

وعرض النجار برنامجه الانتخابي تحت شعار “تشريع للنهضة ورقابة للتنمية”، الذي يقوم على سبعة محاور أساسية: “حلب تُدير شؤونها عبر لامركزية إدارية فاعلة، إعادة بناء محرك سورية الاقتصادي بتشريعات جاذبة للصناعة والتجارة، الاستثمار في الإنسان السوري باعتباره أساس النهضة، التأسيس لدولة العدالة والشفافية من خلال قوانين صارمة لمكافحة الفساد، إعادة إعمار الوطن والإنسان عبر إطار قانوني يضمن عودة كريمة للمهجرين، سيادة القرار في عالم متغير لتحويل الاعتراف الدولي إلى رافعة للسيادة الوطنية، وأخيرًا البيئة والأمن المائي لمواجهة تحديات الجفاف والتصحر”.

وختم النجار بالقول: “المأمول من هذا المجلس أن يكون برلماناً فاعلاً يراقب ويُسائل بحق، ويُشرّع لنهضة حقيقية، ويضع الأسس لدولة مدنية حديثة تليق بتضحيات السوريين وطموحاتهم.”

بين الآمال والانتقادات

مع الزخم الكبير، لا تغيب الانتقادات. الباحث سمير العبد الله رأى أن الانتخابات “ستؤدي لتأسيس مجلس تشريعي يصدر ويعدل القوانين اللازمة للمرحلة الانتقالية”، لكنه أشار في حديث لمنصة سوريا 24، إلى أن “آلية اختيار الأعضاء قد تضعف من شرعيته الشعبية”، مضيفًا أن المجلس “انتقالي الطابع، ومهمته الإشراف على المرحلة الانتقالية دون اتخاذ قرارات استراتيجية كبيرة، كونه غير منتخب بشكل مباشر”.

مجلس بمهام انتقالية

وفق الإعلان الدستوري، يُنتظر من المجلس أن يشرّع قوانين جديدة، يصلح التشريعات السابقة، يراقب أداء السلطة التنفيذية، ويهيئ الأرضية السياسية والقانونية للدستور الجديد والانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو مطالب بأن يكون منصة جامعة تعبّر عن جميع السوريين، وتمنح الشرعية لبداية عهد سياسي جديد.

وبين تطلعات السوريين وآمالهم، وتحديات الواقع وآلياته، تدخل سوريا استحقاقها البرلماني الأول بعد الثورة. انتخاباتٌ يُعوَّل عليها أن تكون بداية الانتقال من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة، وأن تفتح الباب أمام مرحلة من التشريع والمساءلة والمشاركة السياسية، طال انتظارها.

مقالات ذات صلة