بعد سنوات من التهجير عادت سميرة محمد إلى منزلها في حي الغزال بمنطقة سبينة الصغرى، علّها تجد استقراراً افتقدته في الشمال السوري، إلا أنّ صدمتها كانت كبيرة أمام واقع خدمي متردٍ وصفته بـ”المنكوب بكل ما تعنيه الكلمة”.
تقول سميرة في حديثها: “عدنا لنجد حيّنا بلا ماء ولا كهرباء ولا خدمات، خزان واحد فقط يخدم المنطقة بأكملها، والمياه بالكاد تصل مرة في الأسبوع لبضع ساعات، ومع ذلك لا تصل إلى جميع الحارات ولا تصلح للشرب، ما يضطرنا لشراء مياه الشرب بشكل يومي”.
ولا يقف الأمر عند أزمة المياه، إذ يشتكي الأهالي من الانقطاع المستمر للكهرباء وغياب التيار لساعات طويلة. وحتى عند عودته لا يمكن تشغيل الأجهزة الكهربائية إلا عبر منظم خاص نتيجة ضعف الجهد الكهربائي.
تضيف سميرة: “الكهرباء معدومة تقريباً، وإن جاءت فهي بلا فائدة، تحتاج إلى منظم قوي حتى تستطيع تشغيل الأدوات البسيطة”.
كما يعاني الحي من غياب أبسط الخدمات الأساسية، فالطرقات مدمرة وغير صالحة للاستخدام، والإنترنت شبه غائب، ولا يحصل عليه سوى من يتمكن من تركيب شبكات فضائية خاصة، بينما يبقى معظم السكان بلا أي وسيلة اتصال حديثة.
وإلى جانب الأزمات الخدمية، يكشف الأهالي حجم الدمار والنهب الذي لحق بالمنازل خلال سنوات الحرب. وتوضح سميرة أنّ نسبة التدمير في الحي ليست كبيرة مقارنة بالمناطق الأخرى، لكن “التعفيش” كان الكارثة الأكبر، حيث تقول بأسى: “البيوت كلها متعفشة، حتى الجدران هُدمت من أجل سرقة ما بداخلها، والكوابل الكهربائية التي جرى تمديدها تمت سرقتها فوراً”.
سبينة بعد سنوات التهجير
تُعدّ بلدة سبينة ومحيطها، ومن ضمنها حي الغزال، من أبرز المناطق التي شهدت تهجيراً قسرياً خلال سنوات الحرب في سوريا، إذ خضعت لسيطرة فصائل المعارضة حتى عام 2013، قبل أن تستعيدها قوات النظام بدعم من حلفائه.
وقد رافق ذلك تدمير واسع في البنية التحتية، وخروج معظم سكانها نحو الشمال السوري أو بلدان الجوار.
ومع إعلان النظام عن فتح باب “العودة” للأهالي بعد 2017، بدأ عدد من العائلات بالرجوع تدريجياً إلى بيوتهم، لكنّهم اصطدموا بغياب الخدمات الأساسية، ما جعل حياتهم اليومية أكثر صعوبة.
ورغم مرور سنوات على عودة قسم من السكان، إلا أن الوعود بإعادة التأهيل بقيت حبراً على ورق، وسط شكوى متزايدة من تجاهل السلطات المحلية لمعاناة الأهالي.
معاناة مفتوحة بلا حلول
واقع حي الغزال اليوم يعكس أزمة أوسع تعيشها بلدات ريف دمشق الجنوبية التي عانت من الحرب والتهجير، حيث يعجز الأهالي عن إعادة بناء حياتهم في ظل بنية تحتية منهارة وانعدام الخدمات الأساسية. وبين غياب الماء والكهرباء، وانعدام الاتصالات، وغياب مشاريع الترميم، يعيش السكان يوميات أشبه بالصراع المستمر من أجل البقاء.
تختم سميرة حديثها بعبارات تعبّر عن مرارة الأهالي: “كنا ننتظر العودة إلى بيوتنا لنشعر بالراحة، لكننا وجدنا أنفسنا في معاناة جديدة، ربما أشد من التهجير نفسه”.
جهود محلية رغم ضعف الإمكانات
من جانبه، يؤكد مالك نادر، رئيس المجلس المحلي لبلدية سبينة، أن الواقع الخدمي في بلدات ريف دمشق الجنوبي ليس بالمستوى المطلوب، لكنه يشير إلى وجود تحسّن تدريجي: “نحن كبلدية سبينة مسؤولون عن مناطق عدة، منها سبينة الكبرى والصغرى وحي غزال. وبالمقارنة مع جيراننا، وضعنا أفضل نسبياً، حتى أن بعض البلديات تستعين بنا في أعمال الصرف الصحي”.
ويتابع نادر: “بالنسبة لمشكلة القمامة لدينا ضاغطتان كبيرتان وأخرى صغيرة بالإضافة إلى جرار، وقمنا بتوظيف عاملين على حساب المجتمع المحلي لسد النقص بالكوادر. كما ساهمنا مع وحدة المياه والمجتمع المحلي في إعادة استثمار معظم الآبار، وتم تشغيل بئرين إضافيين في حي غزال يجري العمل على ربطهما بالشبكة. كذلك نعمل على تأمين المياه للمدارس عبر الصهاريج، مع محاولة إنشاء بئر خاص بالمدارس بعد الحصول على الموافقات اللازمة”.
ويعترف نادر بوجود تحديات كبيرة، أبرزها النقص الحاد في عدد الحاويات الخاصة بالنظافة، والعشوائية في شبكات الصرف الصحي والكهرباء، إضافة إلى تهالك المحولات الكهربائية وكثرة الأعطال الناتجة عنها. ويضيف: “رغم قدم آلياتنا وتعطلها المستمر، نحاول تقديم أفضل ما يمكن بالتعاون مع المجتمع المحلي”.
معاناة مفتوحة بلا حلول جذرية
وبين شهادات الأهالي ووعود البلديات، يبقى حي الغزال مثالاً واضحاً لمعاناة بلدات ريف دمشق التي دفعت ثمن الحرب سنوات طويلة من التهجير والدمار. ورغم بعض الجهود المحلية، لا تزال العودة بالنسبة للكثيرين أقرب إلى معاناة جديدة منها إلى استقرار طال انتظاره.