يجد مئات الطلاب السوريين العائدين من تركيا أنفسهم اليوم أمام معضلة تعليمية معقدة بعد رفض وزارة التربية في دمشق الاعتراف بالشهادات الإعدادية الصادرة عن المدارس التركية. وبينما يأمل الأهالي أن تساهم العودة إلى الوطن في استقرار حياة أبنائهم، اصطدموا بواقع إداري يفرض على الطلاب إعادة الصف التاسع في سوريا والتقدم مرة أخرى لامتحان شهادة التعليم الأساسي. ورغم محاولات “سوريا 24” للحصول على إجابات رسمية من وزارة التربية حول آلية التعامل مع هؤلاء الطلاب، رفض المسؤول الإعلامي في الوزارة التعليق، ما زاد من حدة الغموض وأثار تساؤلات واسعة بين الأهالي.
شهادتان في مرحلة واحدة
أبو أسامة، والد أحد الطلاب، يصف حجم المشكلة قائلاً:
“ابني أنهى المرحلتين الابتدائية والإعدادية في تركيا، وحصل على شهادة بمعدل 87.46%. لكن عندما سجلنا أوراقه في سوريا فوجئنا بأن الوزارة لا تعترف بشهادته، وأجبرونا على تسجيله في الصف التاسع من جديد. بهذا الشكل سيصبح لدى ابني شهادتان إعدادية: واحدة حصل عليها في تركيا في الصف الثامن، وأخرى سيأخذها في سوريا في الصف التاسع. أليس هذا هدراً لجهده وتعليماً مكرراً بلا فائدة؟”
هذه الازدواجية تفتح الباب أمام إشكاليات جديدة: كيف يُمكن لطالب أن يحمل شهادتين متشابهتين في المرحلة نفسها، واحدة تركية وأخرى سورية، بينما لا يُحسب له سوى الثانية في سجلات وزارة التربية؟
اختلاف المناهج… ذريعة أم مبرر؟
تعود جذور المشكلة إلى الاختلاف في هيكلة النظامين التعليميين. ففي تركيا يمتد التعليم 12 عاماً مقسماً إلى ثلاث مراحل متساوية (4 سنوات لكل مرحلة: ابتدائية، إعدادية، ثانوية)، بينما في سوريا يقسم إلى 6 سنوات ابتدائية، و3 سنوات إعدادية، و3 سنوات ثانوية. هذا الاختلاف الهيكلي في بنية المراحل، إضافة إلى اختلاف المناهج، تقدمه وزارة التربية كمبرر رئيسي لعدم الاعتراف بالشهادة الإعدادية التركية.
لكن الأهالي يرون أن هذا التبرير غير كافٍ. تقول أم محمد، والدة طالبة عادت من غازي عنتاب، إن ابنتها درست ثماني سنوات بجدية ونجحت بامتياز، والآن يطلبون منها إعادة الصف التاسع فقط لأن تقسيم المراحل مختلف. وتضيف أن ابنتها تشعر بالإحباط وتعتبر أن تعبها ذهب سدى. أما أبو أحمد فيرى أن المشكلة ليست في اختلاف المناهج بحد ذاته، بل في غياب الحلول، موضحاً أن الوزارة تستطيع إجراء امتحان معادلة أو اختبار تكميلي يحدد مستوى الطالب بدلاً من أن تطلب منه إعادة سنة كاملة.
ويطالب الأهالي كحل استثنائي باعتبار الصف التاسع صفاً انتقالياً لأبنائهم، بحيث يتم الاعتراف بما درسوه في تركيا ويُسمح لهم بالانتقال بسلاسة إلى المرحلة الثانوية دون ضياع سنة دراسية كاملة.
أسئلة بلا إجابة
“سوريا 24” طرحت عبر مراسلها مجموعة من الأسئلة على وزارة التربية، أبرزها: كيف يتم التعامل مع الطالب الحاصل على شهادة الإعدادية التركية؟ وهل يعتبر أنهى مرحلة التعليم الأساسي أم يُلزم بإعادة الصف التاسع؟ وهل هناك قرار وزاري واضح ينظم الاعتراف بالشهادات التركية أو يضع آلية للمعادلة؟ وكيف تضمن الوزارة عدم ضياع سنة دراسية على الطلاب العائدين؟ غير أن المسؤول الإعلامي في الوزارة رفض الإدلاء بأي إجابة، تاركاً الأهالي في مواجهة مصير أبنائهم من دون حلول واضحة أو توضيحات رسمية.
عام دراسي على المحك
الأهالي يؤكدون أن استمرار هذا الوضع يهدد مستقبل جيل كامل من الطلاب، ويجعلهم ضحايا اختلافات إدارية بين نظامين تعليميين. ويرون أن التعليم حق أساسي يجب أن يُصان بعيداً عن الحسابات الإدارية أو تباين المناهج، مطالبين بإيصال صوتهم إلى رئيس الجمهورية لإيجاد حل عادل.
اليوم، يقف الطلاب العائدون من تركيا إلى سوريا أمام واقع غريب: شهادة إعدادية تركية في الصف الثامن، وشهادة سورية أخرى في الصف التاسع. شهادتان في مرحلة واحدة، لكن من دون اعتراف متبادل أو حلول عملية. وبين هذا وذاك، يبقى مستقبل الطلاب معلقاً، بانتظار أن تتحرك وزارة التربية لإيجاد آلية عادلة تعيد الاعتبار لجهودهم وتنقذ سنوات دراسية مهددة بالضياع.