المرأة في برلمان سوريا الجديدة.. أقل من ‎3%‎ رغم وفرة الكفاءات

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24 - منيرة بالوش

في مشهد صادم، أُغلقت صناديق الاقتراع في دمشق وحلب وإدلب والقنيطرة، لتُعلن نتائج أول انتخابات لمجلس الشعب في “سوريا الحرة”، لكن بلا حضور نسائي.

رغم أن النساء شكّلن ثلث أعضاء الهيئات الناخبة في بعض المناطق، فإن النتيجة النهائية جاءت “صفر نساء”، ما أثار موجة واسعة من التساؤلات حول أسباب هذا الغياب، وما إذا كانت المشكلة في المجتمع أم في آليات الانتخابات ذاتها.

خلل في البنية الانتخابية.. أم في البنية الاجتماعية؟

المهندسة كندة حوصلي، المرشحة عن دمشق وعضو الهيئة الناخبة، ترى أن غياب النساء عن قوائم الفائزين لا يرتبط بعدم الكفاءة، بل بخلل مزدوج في آلية الانتخابات وتركيبة المجتمع الانتخابي.

تقول في حديثها لـ”سوريا 24“: “الأمر لا يعود لضعف قدرة النساء على المنافسة، بل لسببين رئيسيين: الأول يتعلق بهيكلية الانتخابات وطريقة فرز الأصوات، والثاني بطبيعة المجتمع وطريقة اختياره للفائزين. لو تم تخصيص مثلاً ثلاثة مقاعد للنساء من أصل عشرة في دمشق، وأُخذت أعلى ثلاث نساء أصواتاً، لكان ذلك ضمِن تمثيلاً نسائياً حقيقياً”.

وتضيف حوصلي موضحة أن “الكوتا النسائية” كانت مطبقة فقط على مستوى الهيئات الناخبة، وليس في مجلس الشعب نفسه، ما جعل فرص النساء محدودة للغاية: “الخلل لم يكن في الترشيح، بل في آلية الانتخاب واختيار الأصوات الفائزة. هذه الآلية هي التي منعت وصول النساء إلى المقاعد البرلمانية”.

وتشير إلى أن النساء واجهن صعوبة في بناء تحالفات انتخابية متينة: “الكثير من التحالفات بدأت مبكراً، والنساء لم يتمكن من الانخراط فيها بالشكل المطلوب. ومع أن المجتمع، برأيي، لا يرفض المرأة كقيمة أو ككفاءة، فإن التنافس على المصالح جعل الجميع يفكر بمنطقه الخاص، لا بمنطق التمثيل العادل”.

وصول نسائي ضئيل

في تصريح خاص لـ”سوريا 24“، عبّرت النائبة نور الجندلي، الفائزة في انتخابات مجلس الشعب عن حمص، عن أسفها لانخفاض نسبة تمثيل النساء في البرلمان، مشيرة إلى أن عدد الفائزات لا يتجاوز ثلاث أو أربع سيدات على مستوى سوريا، وهي نسبة “ضئيلة جداً” ينبغي رفعها لتصل إلى 20% على الأقل لضمان حضور متوازن وعادل.

وأوضحت أن الرئيس الشرعي سيكون ملزماً بتعيين نحو 39 سيدة لاستكمال هذا التوازن، مؤكدة أن الأمل معقود على تحقيق تمثيل حقيقي وفاعل للنساء في المرحلة المقبلة.

وأكدت الجندلي أن محور التعليم شكّل الأساس في برنامجها الانتخابي، بوصفه مفتاح النهوض الوطني، من خلال محو الأمية وتفعيل التعليم الرقمي وربط التعليم الجامعي بسوق العمل، إلى جانب الاهتمام بقضايا المرأة والشباب والتماسك الاجتماعي في مرحلة إعادة الإعمار.

وختمت بالقول: “أطمح أن أكون ممثلة حقيقية للنساء والسوريين جميعاً، وأسعى مع فريق من الخبراء لتطوير القوانين التي تخدم حمص وسوريا وتفتح الطريق أمام وطن حر كريم يقوم على العدالة والمشاركة”.

من أعزاز: تجربة أولى بطعم الخسارة والفخر

من شمال سوريا، روت عليا أحمد، المرشحة عن دائرة أعزاز، تجربتها لـ”سوريا 24” قائلة:

“كنت فخورة بأنني خضت أول تجربة انتخابية لمجلس الشعب في سوريا الحرة. خسرت الانتخابات، لكن المقاعد الثلاثة فاز بها شباب الثورة، وهذا بحد ذاته مكسب”.

تصف أحمد التجربة بأنها كانت “مدرسة في الإصرار والتحدي”، وتضيف: “حتى تحالفات الرجال كانت هشة وضعيفة، والفجوة بين أصوات أفراد التحالف الواحد كانت كبيرة، ما يدل على أنها لم تُبنَ على أرضية صلبة، بل على وعود غير مؤكدة. ومع ذلك، حققت نتائج مقبولة”.

لكنها تلفت بوضوح إلى وجود رفض مجتمعي لتصويت الرجال للنساء، بل وحتى من النساء تجاه بعضهن، وترى أحمد أن الحل يكمن في اعتماد مقاعد نسائية ثابتة ضمن البرلمان، وتقول: “نحتاج إلى نظام كوتا حقيقي يخصص مقاعد للنساء، تتغير الأسماء فقط بحسب الانتخابات. ما لم تتكاتف النساء وتتحركن بشكل موحد، سيبقى التغيير صعباً جداً”.

أرقام صادمة من دمشق

ضمّت الهيئة الناخبة في دمشق أكثر من 150 سيدة بنسبة بلغت 33% من مجموع الناخبين، ومع ذلك لم تصل أي امرأة إلى المراتب المتقدمة.

وحسب المعطيات، فإن أعلى النساء أصواتاً لم تتجاوز المرتبة 18 تقريباً، ما يعني أن فرصهن في الفوز كانت شبه معدومة. التجربة أثبتت الحاجة الملحة لاعتماد كوتا نسائية لضمان تمثيل عادل ومنصف.

دمشق.. من صالونات الفكر إلى مقاعد خالية

الصحفية لمى راجح، عضو “الشبكة السورية للصحفيات”، عبّرت عن خيبة أملها من نتائج العاصمة، قائلة لـ”سوريا 24“: “دمشق التي عُرفت تاريخياً بزخم نسائها في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، والتي شهدت صالونات فكرية أسستها نساء دمشقيات، اليوم غابت نساؤها تماماً عن مجلس الشعب. عشرة رجال يقفون وحدهم على المنصة في المكتبة الوطنية، في مشهد يُقصي إرثاً طويلاً من الحضور النسائي الفاعل”.

القانون لا يميز.. لكن المجتمع يفعل

من جانبها، ترى المحامية هدى سرجاوي أن الإقصاء لم يكن قانونياً، بل ثقافياً واجتماعياً: “للأسف، مجتمعاتنا ما زالت تفتقر إلى الثقة بقدرة النساء على تمثيلها سياسياً. نحن أمام أول تجربة بعد عقود من الانقطاع، ومن الطبيعي أن تكون البداية صعبة، لكن الصعوبة لا تبرر الغياب الكامل”.

نحو تصحيح المسار

تجمع معظم المداخلات التي حصلت عليها “سوريا 24” على أن الخلل في تمثيل النساء ليس مسألة عددية، بل بنيوية تحتاج إلى إصلاحات انتخابية عاجلة، تشمل:

* اعتماد نظام كوتا نسائية داخل مجلس الشعب.

* تطوير آليات فرز الأصوات بما يضمن العدالة.

* دعم التحالفات النسائية والتدريب السياسي للمرشحات.

* العمل على تغيير الثقافة الانتخابية لدى الناخبين من الجنسين.

حتى ذلك الحين، تبقى تجربة “سوريا الحرة” في أول انتخابات برلمانية لها خطوة مهمة، لكنها ناقصة، لأن برلماناً بلا نساء هو برلمان بنصف المجتمع فقط.

مقالات ذات صلة