منذ بداية عام 2025 وحتى أكتوبر الحالي، سجّل الذهب ارتفاعاً غير مسبوق في الأسواق العالمية، حيث ارتفع سعر الأونصة من نحو 2,845 دولاراً في مطلع العام إلى ما يقارب 3,984 دولاراً حالياً، وفقاً لمؤشرات موقع Trading Economics والمجلس العالمي للذهب.
وقد انعكس هذا الارتفاع بشكل مباشر على الأسواق المحلية في مدينة حلب، إذ تجاوز سعر غرام الذهب عيار 21 حاجز 1,450,000 ليرة سورية في بعض المناطق، وهو مستوى غير مسبوق يُثقل كاهل الأهالي ويجبرهم على إعادة ترتيب أولوياتهم المعيشية.
عوامل عالمية تقف خلف الارتفاع
يُعزى هذا الارتفاع الحاد إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، أبرزها تراجع أداء مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) خلال الربع الثالث من العام، مما عزز الطلب على الذهب باعتباره ملاذاً آمناً لحفظ القيمة.
كما شهدت عوائد سندات الخزانة الأمريكية تقلبات ملحوظة، ما دفع المستثمرين وصناديق التحوط وحتى البنوك المركزية إلى تحويل جزء من محافظهم الاستثمارية نحو الذهب، بحسب ما رصده محرر الشؤون الاقتصادية في سوريا 24.
في السياق ذاته، ساهم فرض رسوم جمركية أمريكية بنسبة 39% على واردات الذهب القادمة من سويسرا في رفع تكاليف التكرير والتوريد عالمياً، بينما دفعت التوترات السياسية بين واشنطن وبكين، إضافة إلى الحرب التجارية الأوروبية، نحو زيادة الطلب على الذهب كأداة تحوط في ظل مخاطر الركود.
وبحسب تقارير المجلس العالمي للذهب، فقد تجاوز متوسط سعر الأونصة في الربع الثاني من عام 2025 مبلغ 3,280 دولاراً، بزيادة تُقدَّر بنحو 22% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024.
رؤية اقتصادية: استثمار طويل الأجل أم فقاعة مؤقتة؟
يرى صبحي أبو محمد، الخبير في أسواق المال والأعمال والمقيم في دبي، أن “الارتفاع الحالي في أسعار الذهب خلال 2025 يرتبط بحركة إعادة تموضع استثماري عالمية، حيث تتجه الصناديق السيادية والمستثمرون الكبار إلى الذهب كوسيلة تحوط ضد التضخم وتقلبات العملات”.
ويضيف أبو محمد في حديثه لـسوريا 24 أن “المؤشرات العالمية، مثل مؤشر الخوف VIX ومؤشر السلع CRB، تعكس توجهاً واضحاً نحو الأصول الآمنة، ما يعني أن الطلب على الذهب قد يبقى مرتفعاً حتى الربع الأول من عام 2026، ما لم تعمد الولايات المتحدة إلى إعادة ضبط سياساتها النقدية”.
ويشير إلى احتمال حدوث “تصحيح جزئي في الأسعار مع نهاية عام 2025، إلا أن مستوياتها ستبقى مرتفعة تاريخياً نتيجة استمرار تراجع الدولار وضعف الثقة في الأسواق المالية، لا سيما بعد أزمات البنوك الأوروبية ومخاطر الديون السيادية”.
أثر مباشر على سوق الذهب في حلب
محلياً، يؤكد الصائغ ياسر كوشة في تصريح لـسوريا 24 أن “السوق الحلبي تأثر بشكل مباشر بهذه التطورات، رغم ضعف تأثيره في صياغة الأسعار العالمية”.
وأوضح أن تجاوز سعر الأونصة العالمي حاجز أربعة آلاف دولار انعكس فوراً على سعر الغرام في سوريا، مضيفاً أن “الطلب تراجع بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بالعام الماضي، إذ بات الذهب رفاهية يصعب على معظم العائلات تحمّلها”.
وأشار كوشة إلى أن “عمليات البيع والشراء باتت محدودة جداً، وغالبية الزبائن تكتفي بالمراقبة أو تتجه إلى بدائل أقل كلفة، كالمجوهرات المقلدة أو الفضة، فيما انخفض الإقبال على شراء الذهب للزينة أو المناسبات”.
وبيّن أن التداول في السوق يتم بمزيج من العملات: الليرة السورية، الدولار، والليرة التركية، في محاولة للحد من تأثير تقلبات سعر الصرف على عمليات الشراء.
تداعيات اجتماعية واقتصادية متزايدة
لم تقتصر آثار ارتفاع الأسعار على الأسواق فحسب، بل امتدت لتشمل الجوانب الاجتماعية، لا سيما في أوساط الشباب المقبلين على الزواج.
يقول شادي كنعان، أحد أبناء المدينة، لـسوريا 24: “الذهب صار عبئاً ثقيلاً على الشباب. كثيرون باتوا يلجؤون إلى بدائل مثل الذهب التقليدي أو المقلد لأن الأسعار أصبحت خارج نطاق قدرتهم تماماً”.
أما يوسف نجار، فيرى أن “مفهوم تجهيز العرائس تغيّر جذرياً. اليوم، حتى شراء عشرة غرامات أصبح حلماً، والعادات القديمة لم تعد قابلة للتطبيق”.
الذهب: ملاذ آمن عالمياً وعبء محلياً
تجمع مؤشرات الأسواق العالمية وآراء خبراء الاقتصاد على أن الذهب سيبقى ملاذاً آمناً واستثماراً طويل الأمد في ظل اهتزاز الثقة بالأسواق التقليدية. إلا أن الواقع في سوريا يعكس صورة مختلفة، حيث تحوّل الذهب إلى رمز للفجوة الطبقية وتفاقم الأعباء المعيشية.
فمن ارتفاع الأونصة عالمياً — من 2,845 دولاراً في بداية 2025 إلى نحو 4,005 دولارات في أكتوبر — جاءت التداعيات مباشرة على السوق المحلي في حلب، ليغدو الذهب مؤشراً صارخاً على هشاشة الاقتصاد وضعف القوة الشرائية للمواطنين.
وفي ختام حديثه، توقّع الخبير الاقتصادي صبحي أبو محمد أن “يصل سعر أونصة الذهب إلى نحو 4,300 دولار مع نهاية العام الجاري، في حال عدم حدوث انفراجة سياسية أو نقدية كبرى تعيد التوازن إلى الأسواق العالمية”.