رغم التراجع الكبير في المساحات المزروعة هذا العام، لا يزال محصول القطن حاضراً في سهل الغاب بريف حماة، محافظاً على رمزيته كمحصول استراتيجي واقتصادي في المنطقة، ومعبّراً عن إصرار المزارعين على الاستمرار بالزراعة رغم التحديات الكبيرة التي تواجههم، وعلى رأسها الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج.
ففي الوقت الذي لم يُدرج فيه محصول القطن ضمن الخطة الزراعية الصيفية لهذا العام بسبب شحّ المياه وجفاف الموارد، قرر عدد من مزارعي سهل الغاب الاعتماد على خبراتهم المتراكمة ومصادرهم الذاتية لمواصلة زراعته، إيماناً منهم بأهميته الاقتصادية والاجتماعية.
ومع بداية موسم الخريف، انطلقت عمليات جني المحصول في مساحات لا تتجاوز تسعة هكتارات فقط موزعة على مختلف مناطق السهل، حسب مراسل منصة سوريا 24 في حماة.
تراجع كبير في زراعة القطن
وقال المهندس الزراعي طلال مواس، في حديث لمنصة سوريا 24، إن: “القطن يعدّ من المحاصيل الاستراتيجية في سهل الغاب، لكن هذا العام شهد تراجعاً كبيراً في زراعته، واقتصرت على ثلاثة مزارعين فقط، زرعوا ما يقارب تسعة هكتارات”.
وأوضح أن: “أسباب التراجع متعددة، أبرزها الجفاف ونقص المياه، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف عمليات التسويق، وقلة الدعم الحكومي للمزارعين”، مشيراً إلى أن استمرار هذا الوضع “قد يؤدي إلى اندثار زراعة القطن في المنطقة، ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة لإنعاشها”.
زراعة القطن بحاجة لدعم حكومي
أما المزارع عبد الفتاح مصطفى، وهو من القلائل الذين حافظوا على زراعة القطن في أرضه، فقال في حديث لمنصة سوريا 24: “زراعة القطن من الزراعات الأساسية والاستراتيجية للبلد وللفلاح، لكنها اليوم بحاجة إلى دعم كبير من الحكومة، سواء عبر توفير الأسمدة أو المازوت بأسعار مدعومة، لأن الأسعار في السوق السوداء أصبحت تشكل عائقاً كبيراً أمامنا”.
وأضاف قائلاً: “القطن زرعة محببة إلنا، ورغم كل الظروف اللي مرت علينا ما وقفت زراعته، ولا سنة قطعتها، ومستعد أظل أزرعها حتى لو بخسر، لأنه هي زرعتنا ورمزنا”.
ويؤكد مصطفى أن أبرز الصعوبات التي تواجه المزارعين حالياً تتمثل في نقص اليد العاملة وارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية، لافتاً إلى أن: “القطن يمكن أن يستعيد مكانته لو حظي بالدعم الكافي من الدولة ومؤسساتها الزراعية”.
مصدر رزق لكثير من الناس
من جانبها، تحدثت ريمة الصالح، وهي عاملة في إحدى الحواش الزراعية، عن انعكاسات تقلص المساحات المزروعة على حياة العاملين في الزراعة، قائلة في حديث لمنصة سوريا 24: “نحن نعمل في حواش القطن، والسنة الماضية كانت الكمية أكبر، أما هذا العام فالأراضي المزروعة قليلة جداً، ونحن نخرج للعمل من أجل كسب الرزق والعيش، وإذا لم تتوفر مساحات كافية لتشغيل الأيدي العاملة، فإن كثيراً من الناس سيعانون من الجوع، لأنه لا يوجد مصدر رزق آخر غير العمل اليومي”.
وأضافت الصالح أن “تراجع الزراعة يعني فقدان آلاف العائلات لمورد رزقها”، معبّرة عن أملها بأن تتحسن الظروف في المواسم المقبلة، “ليكون هناك مواسم زراعية أكبر وتتوفر فرص عمل أكثر للناس”.
ورغم محدودية المساحات المزروعة هذا الموسم، يرى خبراء زراعيون أن استمرار زراعة القطن ولو بشكل رمزي في سهل الغاب يعكس تمسك المزارعين به كمصدر رزق وتاريخ زراعي طويل.
لكنهم يحذرون في الوقت نفسه من أن استمرار غياب الدعم والري الحديث سيجعل هذا المحصول مهدداً بالانقراض من المنطقة التي كانت تُعرف يوماً بـ”سلة القطن السورية”.