غياب الخدمات وتفشي السلاح: تحديات تواجه سكان تلكلخ

Facebook
WhatsApp
Telegram

أحمد زكريا - سوريا 24

تعيش منطقة تلكلخ في ريف حمص الغربي واقعاً معقداً على المستويات الأمنية والمعيشية والخدمية، في ظل جملة من التحديات التي تتداخل فيها الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وشهدت المدينة خلال الأيام الماضية اجتماعاً موسعاً بين فعاليات مدنية وجهات خدمية، بهدف بحث أوضاع المنطقة ووضع تصور عملي لتحسين واقعها، بعد شكاوى متكررة من الأهالي حول تدهور الخدمات وتراجع الأمن وغياب التنمية.

أزمات أمنية متشابكة ومطالب بالمحاسبة

كشف المشاركون في الاجتماع عن شعور عام بفقدان الأمن في المنطقة، وسط تزايد حوادث السلب والسرقة وغياب الردع. كما طالبوا بضرورة محاسبة المخطئين دون محاباة لأي طرف، والتعامل بجدية مع تفاقم ظاهرة انتشار السلاح بين الشباب والتباهي بحمله دون ترخيص، إلى جانب استمرار ظاهرة اللثام رغم القرارات الرسمية التي تمنعها.

وأفاد الأهالي في حديث لمنصة سوريا 24 عن تبدلات متكررة في عناصر الشرطة والأمن، ما انعكس فوضى وقلقاً بين السكان، إلى جانب تفاقم مشكلات الحدود وعمليات التهريب التي تحولت إلى هاجس اقتصادي وأمني يومي.

معاناة معيشية واقتصادية وهجرة متزايدة

على الصعيد المعيشي، يعاني سكان تلكلخ من تدهور حاد في الوضع الاقتصادي، دفع الكثير من الشباب إلى الهجرة نحو لبنان بحثاً عن فرص عمل. كما يشكو المزارعون من ضعف الدعم الحكومي للقطاع الزراعي، رغم أن المنطقة تُعد من أغنى مناطق حمص بالمياه والسهول الخصبة.

وقالت ابتسام العمر، وهي ناشطة في المجال الخدمي ومن سكان المنطقة، في حديث لمنصة سوريا 24، إن أبرز التحديات التي تواجه الأهالي، وخاصة فئة الشباب العائدين بعد التحرير، تتمثل في البطالة وغياب الإمكانات المادية للبدء بمشاريع صغيرة أو أعمال حرة، مشيرة إلى أن “هناك فئة كبيرة من غير المتعلمين تجاوزت سن الثامنة عشرة، ما يزيد من صعوبة إدماجهم في سوق العمل”.

وأضافت العمر أن الأمان في المنطقة لا يزال هشاً، بسبب انتشار السلاح بأيدي الشباب، وعدم وجود حواجز أمنية مستقرة، إلى جانب عدم الالتزام بالقوانين بحجة أنها وُضعت في عهد النظام السابق.

تحريض طائفي عبر وسائل التواصل

ولفتت العمر إلى أن المشكلة الأكبر التي تهدد النسيج الاجتماعي هي التحريض والخطاب الطائفي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشددة على أهمية “تعزيز التعايش السلمي من خلال جهود مشتركة بين المدارس والمساجد والكنائس والجمعيات، وتنظيم ورش عمل تجمع مختلف مكونات المنطقة لطرح المشكلات وإيجاد حلول مشتركة”.

خدمات متدهورة في القطاعات الأساسية

وفي تقييمها للواقع الخدمي، قالت العمر إن مياه الشرب في وضع متوسط، والمنطقة بحاجة إلى فتح آبار جديدة وصيانة المعطلة منها، وتزويدها بالطاقة الشمسية.

أما الصرف الصحي، فوصفت وضعه بـ”السيئ جداً”، خصوصاً في المناطق الحدودية.

وأضافت أن الكهرباء تخضع لتقنين قاسٍ بمعدل ساعة وصل مقابل خمس ساعات قطع، بينما يعاني مشفى تلكلخ الحكومي من نقص حاد في الكادر الطبي، ويحتاج إلى دعم عاجل وتأهيل المستوصفات.

وفي القطاع التربوي، أشارت إلى نقص التجهيزات المدرسية وضعف البنى التحتية في قرى مثل الزارة وتلكلخ، ما يستدعي ترميم المدارس ورفدها بالكوادر المناسبة.

ودعت في ختام حديثها إلى حصر السلاح بيد الدولة، وإنشاء حواجز أمنية ثابتة بعناصر معرّفة بالبطاقات الرسمية، ومنع ظاهرة اللثام والدراجات النارية غير المرخصة، إضافة إلى تنظيم ندوات حول العدالة الانتقالية لتعزيز الثقة بالقضاء والدولة.

الترسيم الحدودي أولوية لتصحيح الواقع

من جانبه، قال ممدوح عماد الدندشي، باحث في العلاقات الدولية ومن أبناء المنطقة، في حديث لمنصة سوريا 24، إن تلكلخ تشكل مركزاً حيوياً يضم ثلاث نواحٍ وأربعين قرية على الشريط الحدودي السوري اللبناني، وتُعرف بتنوعها الديني والعرقي، الذي كان عبر التاريخ نموذجاً في التعايش والوحدة.

وأوضح الدندشي أن المنطقة زراعية بامتياز، وتضم سهولاً وسدوداً وأنهاراً تشكل رافداً أساسياً للثروة الزراعية في سورية، لكن غياب ترسيم واضح للحدود بين سورية ولبنان منذ أكثر من قرن خلق مشاكل اجتماعية واقتصادية متراكمة، إذ “يملك كثير من السوريين أراضي في الجانب اللبناني، والعكس صحيح، ما يعقّد عملية ضبط الحدود ومكافحة التهريب”.

وأشار إلى أن تنظيم التهريب يمكن أن يتم عبر “مفارز جمركية ثابتة ودوريات متنقلة”، داعياً إلى وضع آلية رسمية لترسيم الحدود وتفعيل التعاون بين البلدين في هذا الشأن.

دعوات لتفعيل المؤسسات الحكومية والبلدية

وفيما يتعلق بالواقع الخدمي، قال الدندشي إن “المؤسسات الحكومية في المنطقة ما زالت في طور التأسيس”، ما يتطلب وقتاً لإقرار ميزانيات وتنفيذ مشاريع، داعياً إلى إرسال لجان من وزارة الزراعة لدعم المزارعين ووضع خطط طارئة لمواجهة الصعوبات.  أما على الصعيد الأمني، فطالب الدندشي بأن يكون عناصر الأمن والجيش على درجة عالية من الانضباط، واحترام خصوصية التعدد الديني والعرقي، كما دعا إلى تفعيل الشرطة السياحية لما تتمتع به المنطقة من مواقع أثرية وطبيعة تستقطب الزوار والرحالة.

تكشف تلكلخ اليوم عن صورة مصغرة لواقع كثير من المدن السورية التي تواجه تحديات مركبة بين الأمن والاقتصاد والمجتمع، في ظل حاجة ملحة إلى تثبيت الاستقرار، وتنمية القطاعات الخدمية، وإعادة بناء الثقة بين السكان ومؤسسات الدولة.

ورغم صعوبة المرحلة، يرى أبناء المنطقة أن التعايش والوعي المجتمعي هما المفتاح الأساس لعبور تلكلخ نحو مرحلة جديدة أكثر استقراراً وإنسانية.

مقالات ذات صلة