“ألوان من قلب الركام”: فن يعيد الحياة إلى تلبيسة

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا

احتضن المركز الثقافي في مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي، يومَي 14 و15 تشرين الأول 2025، معرضًا فنيًّا استثنائيًّا حمل عنوان “ألوان من قلب الركام”، نظّمته مديرية الثقافة في حمص بالتعاون مع وزارة الثقافة السورية والمجتمع المحلي.

فنٌّ من رحم المعاناة

جاء المعرض كتعبيرٍ بصريٍّ عميق عن رحلة الألم والنهوض، حيث حوّل فنانون من مختلف الأعمار من الأطفال الناشئين إلى المحترفين، تجاربهم مع الحرب، والتهجير، والدمار، إلى لوحاتٍ تنفث الحياة من بين الركام.

وبحسب محمد سعيد جبوري، معاون مدير المركز الثقافي في تلبيسة في حديث لمنصة سوريا 24، فإن “المعرض يُجسّد جهود وزارة الثقافة لدعم الفن كوسيلة للتعبير والتعافي النفسي، خاصة في المناطق التي عانت من ويلات الصراع”.

وأضاف جبوري: “تلبيسة، التي عاشت سنواتٍ من التوقف الثقافي بسبب الظروف الأمنية، تعود اليوم لتُضيء من جديد عبر فرشاة الفنان وعينه التي ترى الجمال حتى في أقسى اللحظات”.

مشاركة واسعة ومتنوعة

ضمّ المعرض أكثر من 150 لوحة فنية، شارك فيها فنانون محليون من تلبيسة وريف حمص، إلى جانب فنانين من خارج المحافظة، بالإضافة إلى طلاب معهد صبحي شعيب التابع لمديرية الثقافة، ومجموعات من الأطفال والشباب الذين تدربوا في ورش فنية أشرفت عليها المديرية خلال الأشهر الماضية.

وتراوحت الأعمال بين الفردية والجماعية، وتنوّعت أساليبها بين الواقعي، والتجريدي، والتعبيري، والانطباعي، لتغطي طيفًا واسعًا من المشاعر والرؤى.

ومن بين أبرز المواضيع التي تناولتها اللوحات: رموز الثورة، شهداء تلبيسة، معاناة النزوح، مشاهد الدمار، ملامح إعادة الإعمار، الهوية الثقافية، والانتماء إلى الأرض، إضافة إلى لوحات تعكس الحياة اليومية البسيطة التي تُصرّ على الاستمرار رغم كل شيء.

الفن جزء من بناء الإنسان

من جهتها، عبّرت الفنانة التشكيلية وفاء النجار عن دوافع مشاركتها في المعرض، قائلة في حديث لمنصة سوريا 24: “مشاركتي في هذا المعرض جاءت من إيماني بأن الفن جزء من بناء الإنسان اليوم. في معرض تلبيسة، نحاول أن نعيد الحياة إلى المكان، ونقول إن الدمار لا يمكن أن يطفئ الحياة”.

وأضافت: “وجودنا اليوم في تلبيسة هو تأكيد على أن تلبيسة ما زالت تنبض بالحياة، وأن أبناءها قادرون على إعادة بناء ما تهدم”.

وشاركت النجار بـ 10 لوحات، منها تعبيرية مثل لوحة عن فلسطين، ولوحة بعنوان “حمص بين الدمار والبناء”، إضافة إلى أعمال انطباعية تجسّد جمال الطبيعة كرمزٍ للخلود والصمود.

رسالة واضحة: الجمال يولد من قلب الركام

يهدف المعرض، وفق القائمين عليه، إلى إيصال رسالةٍ واضحة مفادها أن الفن باقٍ رغم كل شيء، وأن في قلب الدمار يولد الجمال. كما يُعدّ تأكيدًا على قدرة الإنسان السوري، خاصة في الريف، على النهوض من جديد، والتمسّك بالحياة، والثقافة، والهوية، حتى في أحلك الظروف.

معارض قادمة وخطط ثقافية أوسع

وأكّد جبوري أن هذا المعرض ليس حدثًا معزولًا، بل يندرج ضمن خطة موسعة لمديرية الثقافة في حمص تهدف إلى إقامة معارض دورية في المراكز الثقافية بريف حمص الشمالي وغيرها من المناطق التي بدأت تستعيد نشاطها الثقافي تدريجيًّا.

ويجري حاليًّا التحضير لإطلاق مبادرات فنية مماثلة في الأشهر القادمة، مع توسيع دائرة المشاركة لتشمل مدارس ومراكز مجتمعية أوسع، بهدف تمكين الشباب وتنمية مواهبهم في بيئة تشجّع على الإبداع والتعبير.

في تلبيسة، حيث لا يزال الركام شاهدًا على سنواتٍ عصيبة، يُثبت الفنانون أن الفرشاة قد تكون أقوى من القذيفة، وأن الألوان قادرة على إعادة بناء ما هدمته الحروب، لوحةً بعد لوحة، ونبضةً بعد نبضة.

مقالات ذات صلة