يشهد القطاع الصحي في مدينة منبج حالة من التراجع الواضح في الخدمات الطبية، نتيجة النقص الحاد في الكوادر والأدوية والمستلزمات، الأمر الذي ينعكس سلبًا على المرضى ويزيد من معاناتهم داخل المشفى الوطني والمراكز الصحية في المدينة وريفها.
مرضى يشتكون من سوء المعاملة ونقص الأدوية
تقول غادة عثمان، وهي مريضة سكري من منبج، إن تجربتها الأخيرة في المشفى الوطني كانت مؤلمة أكثر من مرضها، إذ تشتكي من قلة الاهتمام وسوء المعاملة من بعض الكوادر الطبية، وتبدي استياءها من الأوضاع العامة داخل المستشفى.
وتشتكي من قلة الاهتمام، وتروي لسوريا 24 ما حصل معها خلال مراجعتها للمشفى الوطني في منبج، قائلة: “المعاملة فيها نرفزة وعصبية، وهذا يؤثر علينا نحن المرضى، خصوصًا من يعانون أمراضًا مزمنة مثل السكري”، مع إشادتها في المقابل بمعاملة بعض الأطباء الآخرين الذين يعتنون بمرضاهم، منتقدة تصرفات الآخرين وواصفة إياها بـ”عدم المبالاة”.
وتشير إلى أن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية يزيد من المعاناة اليومية، موضحة أنها اضطرت لإجراء التحاليل والتصوير الشعاعي في المراكز الخاصة، مبينة أن تكلفتها تبلغ نحو 50 دولارًا، وهو ما يفوق قدرتها المالية.
وتطالب وزارة الصحة بتزويد المشفى بالأدوية الضرورية وتحسين ظروف العمل داخل الأقسام بما يضمن معاملة إنسانية تليق بالمرضى.
تأخر الأطباء وغياب المناوبات الليلية
من جهته، يبدي المواطن محمد فرحان حسين استياءه من غياب الأطباء في ساعات الليل، خاصة في أقسام الولادة والإسعاف، مؤكدًا أن هذا التقصير كاد يتسبب بكارثة لعائلته.
يقول لسوريا 24: “جئت بزوجتي إلى المشفى وهي تنزف منذ الساعة الثانية ليلًا، ولم يكن هناك أي طبيب، فقط ممرضات”، وأنه انتظر حتى الساعة التاسعة صباحًا حتى حضرت الطبيبة، ويختتم حديثه بحسرة: “تخيل اضطررت لإحضار كيس دم من خارج المشفى لأنقذ زوجتي”.
ويطالب حسين بضرورة تأمين مناوبات طبية على مدار الساعة، مؤكدًا أن “وجود طبيبة مناوبة ليلًا في كل جناح مسألة حياة أو موت للمرضى، خصوصًا في الحالات الطارئة”.
تكاليف العلاج تثقل كاهل المواطنين
وفي السياق ذاته، يشير أبو علي، وهو عامل من قرية الكويرس، إلى أن ضعف الخدمات في القطاع العام يجبر الأهالي على اللجوء إلى المشافي الخاصة رغم ارتفاع تكاليفها.
ويوضح خلال حديثه لسوريا 24 حقيقة ما جرى معه أثناء ولادة زوجته، قائلًا: “جئت بزوجتي لتلد في المشفى الوطني، فطلبوا مني إحضار الوصفة الطبية من الخارج، ثم أرادوا مني توقيع تعهد لإجراء العملية”، ويتابع بتوتر وعصبية: “لا أملك 200 دولار لأذهب بها إلى مستشفى خاص.. بكل بساطة، الممرض تركنا وذهب بلا اكتراث”.
ويُبدي استياءه من ضعف التنظيم داخل المستشفى وغياب الخصوصية في المعاينات الطبية، قائلًا: “بنتي صُعقت بالكهرباء، ومن المفترض أن تعاينها ممرضة، لكن الذي فحصها كان شابًا، وهذا أمر غير مقبول. نطالب برقابة حقيقية واحترام لكرامة المرضى”.
نقص الأدوية والأجهزة
وتؤكد أم سامي، وهي إحدى المراجعات في المشفى الوطني، أن المشكلة لا تقتصر على التعامل، بل تمتد إلى نقص الأدوية والأجهزة داخل المستشفى.
وتوضح: “التسجيل منظم، لكن عند صرف الأدوية يقولون (ما في)”، وأنها تضطر لشراء الدواء على حسابها الشخصي، وأنه حتى صور الإيكو غير متوفرة، ما يضطرها للذهاب إلى المشافي الخاصة، حيث تكلف الصورة هناك نحو 150 دولارًا، وهو ما يفوق قدرتها المادية.
وتشير إلى أن كثيرًا من العائلات لا تستطيع تحمّل هذه التكاليف، مما يجعل العلاج رفاهية لا يمكن للجميع الحصول عليها.
نقص الكوادر وقلة التمويل
وفي رده على شكاوى المراجعين، يوضح الدكتور نظيم الحمد، رئيس المنطقة الصحية في منبج، أن القطاع الصحي يعاني من تحديات كبيرة، أبرزها ضعف التمويل وقلة الكوادر المؤهلة ونقص الأدوية.
ويقول لموقع سوريا 24: إن “المشفى الوطني هو الركيزة الأساسية للرعاية الصحية في المدينة، لكنه يفتقد إلى التجهيزات الكاملة والكوادر الطبية الكافية لتغطية جميع الاحتياجات”.
ويشير إلى أن المنطقة تضم نحو مليون نسمة بين سكان ونازحين، في حين تعمل فقط ستة مراكز صحية من أصل 24 مركزًا، وهو ما يصعّب وصول الأهالي إلى الخدمات الطبية الأساسية.
دور المنظمات الداعمة
وفي المقابل، يؤكد الدكتور الحمد أن عددًا من المنظمات الإنسانية يساهم في دعم القطاع الصحي، من بينها منظمة الأمين الدولية، والأوسوم (UOSSM)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، واليونيسف (UNICEF)، مشيرًا إلى أن هذه الجهات قدمت تجهيزات وأدوية وساهمت في إعادة تأهيل بعض أقسام المشفى الوطني.
خطط لتطوير وتحسين الخدمات : ويوضح الحمد أن هناك خطة عمل لتطوير البنية التحتية وتوسيع نطاق تشغيل المراكز الصحية في المدينة والريف، من خلال السعي لتحسين جودة الخدمات المقدمة، وتأمين التجهيزات الحديثة، وتطوير مهارات الكوادر الطبية، بالتعاون مع الجهات الداعمة والمانحة.
ويُبدي تفاؤله بتحسن قريب في الخدمات الصحية، مؤكدًا أن التعاون بين المنظمات والسلطات الصحية المحلية هو السبيل لتخفيف معاناة السكان.
دعوة للتعاون والدعم
ويختم الدكتور الحمد حديثه بالتأكيد على أن الصحة حق لكل مواطن وليست امتيازًا، داعيًا الأهالي إلى التعاون مع المراكز الصحية والالتزام بإجراءات الوقاية، ومناشدًا المنظمات الدولية تقديم دعم مستدام لتأمين الأدوية والمستلزمات وتشغيل المراكز المتوقفة.
مؤكدًا أن “غايتنا أن تصل الرعاية الصحية إلى كل بيت في منبج وريفها، وأن نعيد بناء منظومة طبية تحفظ كرامة الإنسان وتؤمن حقه في العلاج”.
—