تجدّد الجدل السياسي والعسكري في الساحة السورية بعد تصريحات قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، التي أعلن فيها التوصل إلى “اتفاق مبدئي” مع الحكومة السورية يقضي بدمج قواته ضمن صفوف الجيش السوري، في خطوة وصفها بأنها “مؤسسية” وليست فردية.
لكن هذه التصريحات، التي بدت أحادية الجانب، فتحت الباب واسعًا أمام تساؤلات حول مدى واقعيتها، وموقف دمشق الفعلي منها، في ظل غياب أي إعلان رسمي من الحكومة السورية حتى الآن.
اندماج على مستوى التشكيلات وليس الأفراد
عبدي أوضح في مقابلة مع وكالة “أسوشيتد برس” أن قواته توصلت إلى تفاهم أولي مع دمشق حول آلية الدمج، قائلًا إن العملية لن تشمل انضمام الأفراد بشكل منفصل، بل ستتم على مستوى “التشكيلات العسكرية الكبيرة” التي ستعمل وفق قواعد وزارة الدفاع السورية.
وأضاف أن “عدد القوات المعنية بالدمج يصل إلى عشرات الآلاف من المقاتلين، إضافة إلى قوات الأمن الداخلي”، مشيرًا إلى أن الاجتماعات التي جرت مؤخرًا في دمشق تناولت مستقبل التنسيق العسكري والسياسي.
لكنه أقر بأن “الأحداث الأخيرة في الساحل والسويداء” كانت من أبرز الأسباب التي أخّرت تنفيذ اتفاق 10 آذار الموقع مع الحكومة السورية.
تصريحات عبدي مبادرة مرفوضة من دمشق
في المقابل، قدّم المحلل السياسي حمزة المحيمد، في حديث لمنصة سوريا 24، قراءة مغايرة تمامًا لما أعلنه عبدي، مؤكدًا أن ما يجري لا يتعدى كونه “محاولة جديدة من قسد للمناورة وكسب الوقت”.
وقال المحيمد إن “قسد”، ومنذ توقيع اتفاق 10 آذار 2025، عمدت إلى تأخير تنفيذ بنوده أملًا في تغيّر موازين القوى الإقليمية أو الدولية، مشيرًا إلى أن الضغوط التركية وتبدّل الموقف الأمريكي أجبرها على العودة إلى طاولة التفاوض مع دمشق.
وأضاف أن “بعد الرسائل الأمريكية التي نقلها المبعوث توم بارك، والتي أكدت على وحدة الأراضي السورية ونفت أي حديث عن الفيدرالية، وجدت قسد نفسها أمام خيار وحيد: العودة إلى الالتزام بالاتفاق. لكنها تحاول في كل مرة أن تطرح مبادرات إعلامية لتوهم جمهورها بأنها ما زالت قادرة على فرض الشروط على دمشق”.
وأوضح أن دمشق رفضت مقترح مظلوم عبدي الأخير، متمسكة بتنفيذ بنود اتفاق آذار كما هو، دون أي تعديلات أو شروط جديدة.
وتابع المحيمد أن “بند دمج قوات قسد في الجيش العربي السوري هو أحد أهم البنود السيادية التي لا يمكن العبث بها، والجيش في أي دولة – حتى الفيدرالية منها – يبقى موحدًا تحت قيادة الدولة المركزية، لا المكونات أو الفصائل”.
وختم بالقول إن عبدي يدرك تمامًا أن “التيار القنديلي” الموالي لحزب العمال الكردستاني داخل قسد، هو العقبة الأكبر أمام تطبيق الاتفاق، لأنه لا يرغب في تسليم مناطق الجزيرة للحكومة السورية.
عبدي يتحدث من واقع ميداني لا يمكن تجاهله
من جانبه، اعتبر شكري شيخاني، عضو المجلس العام في مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، أن تصريحات عبدي تعكس واقعًا ميدانيًا لا يمكن تجاهله، مؤكدًا أن “ما قاله لا ينتقص من مصداقيته، حتى لو صدر من طرف واحد”.
وقال شيخاني في حديث لمنصة سوريا 24، إن “مظلوم عبدي لا يتحدث من فراغ، بل من حقائق ميدانية ملموسة، وقوات سوريا الديمقراطية أثبتت خلال السنوات الماضية أنها عنصر أساسي في المعادلة العسكرية داخل سوريا”.
وأضاف أن الحكم اللامركزي يمثل “الحل الأنسب لسوريا المستقبل”، لأنه يجنّب البلاد خطر الحرب الأهلية ويؤسس لنظام حكم يشارك فيه الجميع.
وتابع شيخاني: “قسد تمتلك من الخبرة والقدرات ما يؤهلها لتكون شريكًا استراتيجيًا في إعادة بناء الجيش السوري، نظرًا لتجربتها الطويلة في محاربة تنظيم داعش، والتدريب العالي الذي تلقته من التحالف الدولي”.
وأشار إلى أن “الجيش السوري يجب أن يكون جيشًا وطنيًا جامعًا لكل السوريين، وليس جيشًا حزبيًا كما كان في الماضي”، مؤكدًا أن التعاون مع قسد في المرحلة المقبلة سيكون ضروريًا لاستعادة الأمن والاستقرار في البلاد.
تحركات تركية موازية
بالتزامن مع هذه التصريحات، كشفت تقارير إعلامية عن تحرك تركي متسارع لتعزيز حضورها الأمني والعسكري في الشمال السوري.
ونقلت وكالة “بلومبرغ” عن مسؤولين أتراك أن أنقرة تخطط لتزويد دمشق بمعدات عسكرية متنوعة تشمل سيارات مصفحة وطائرات مسيرة ومدفعية وأنظمة دفاع جوي، ضمن صفقة أوسع تسمح باستهداف المسلحين الأكراد على الحدود المشتركة.
وقالت الوكالة إن هذه المعدات ستُنشر في الشمال السوري، لتجنّب أي احتكاك محتمل مع إسرائيل في الجنوب، في وقت رفضت فيه الرئاسة التركية ووزارة الإعلام السورية التعليق على المعلومات.
اتصال تركي سوري لمتابعة الملف الأمني
وفي تطور لافت، بحث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع نظيره السوري أسعد الشيباني، عبر اتصال هاتفي، اليوم الجمعة، نتائج الاجتماع الأمني الذي عقد مؤخرًا في أنقرة.
وقالت مصادر دبلوماسية تركية إن الاتصال تطرق إلى ملف التنسيق العسكري والأمني، ومتابعة القضايا التي نوقشت خلال اللقاء الذي ضم كبار المسؤولين الأمنيين من الطرفين، بينهم وزراء الدفاع والاستخبارات من الجانبين.
ويأتي هذا الاتصال بعد أيام من اجتماع رفيع المستوى في أنقرة، أكدت خلاله تركيا وسوريا استعدادهما لمواصلة التعاون في الملفات الأمنية والعسكرية، خصوصًا تلك المتعلقة بالحدود الشمالية ومكافحة التنظيمات الكردية المسلحة.
وما بين تصريحات مظلوم عبدي التي حملت طابع المبادرة الأحادية، وموقف دمشق الصامت الرافض، يتضح أن ملف دمج “قسد” في الجيش السوري لا يزال عالقًا بين حسابات داخلية وإقليمية متشابكة.
فبينما ترى “قسد” في العملية خطوة نحو شرعنة وجودها ضمن المؤسسة العسكرية، تتمسك دمشق بأن الاندماج يجب أن يتم وفق شروط الدولة لا الفصائل، في وقت تواصل فيه تركيا والولايات المتحدة ممارسة ضغوط متباينة على طرفي الاتفاق.
ويبقى السؤال الأهم: هل يُترجم اتفاق آذار إلى واقع ميداني، أم ستبقى تصريحات قسد مجرد رسائل سياسية للاستهلاك الإعلامي؟