Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

الأديب السوري وائل السوّاح لـSY24: الثورة شرّ لا بدّ منه.. وما جرى هو هزيمة للجميع

أسامة آغي - SY24

 

الأدب ليس مجرد رسالة أو سلاح تعبرُ من الأديب إلى جمهوره، الأدب تكثيف لزمنٍ ما بكلّ ما فيه من انكسارٍ أو انتصارٍ، من حبٍّ أو كراهية، من حربٍ أو سلام. الأدب ليس تخييلاً محضاً، بل هو إعادة انتاج للواقع برؤية فنية يجيدها المبدع.

حول الثورة والأدب والناس، وما فعلته الأحداث بنا، حملنا أسئلتنا إلى الأديب السوري وائل السوّاح وطلبنا أن يغمرها بإجاباته.

الثورة شرّ لا بدّ منه

قلنا للأديب وائل السوّاح وكان مرّ زمن على إصداره لمجموعته القصصية “لماذا مات يوسف النجار” وروايته “قالت إيمان”: كيف تُعيد إنتاج وعيك بالعالم وبالإبداع؟.
فأجاب: الثورة السورية غيّرت تصورنا عن العالم بشكل لم يكن أحد يتوقعه، غيّرت وعينا لمفاهيم قديمة وأعطتها بعداً جديداً. الحرية مثلاً صار لها في سورية نطق مختلف ودلالة أو دلالات مختلفة، كل طرف يفهم الحرية على طريقته.
حرية الإسلامي غير حرية الديمقراطي أو الليبرالي أو اليساري. وكذا القول عن الكرامة والعدالة والحكومة، سنحتاج إلى سنين طوال لكي يُعيد السوريون اتفاقهم حول المفاهيم من أجل إعادة صياغة عالم سورية ما بعد الثورة.

ويتابع الأديب وائل السوّاح حديثه: ولكن ذلك لا يبدو في متناول اليد، فكما تعرف بات الانقسام بين السوريين من العمق بحيث يبدو رأيه اليوم شبه مستحيل، لا يعني هذا أن نيأس، ولكن أن نضع في حسابنا ما ينتظرنا، الإبداع هو عملية نقل التصور عن الواقع إلى الواقع بطريقة فنيّة، وأحسب أن الفنانين السوريين من شعراء وروائيين ومصورين ونحاتين هم اليوم في طور البحث عن طريقة جديدة تلائم البعد المفهومي الذي أشرت إليه، وتعبّر عن حال السوريين بالشكل والأسلوب والمفردة التي تنمو اليوم في دواخلهم.

ويضيف: قلنا أكثر من مرة أن الثورة بالعموم هي شرّ ولكنه شرّ لا بدّ منه، هو وسيلة شريرة للتخلص من شرٍ أكبر، لذلك لن يكون الإبداع السوري الجديد من وجهة نظري مديحاً للثورة، وإنما وصفاً لأنبل ما كشف عنه السوريون ، وأخبث وأحطّ ما كشفوا عنه . بالنسبة لي اعتقد أنّ أي ابداع جديد ينبغي أن يهجو الثورة، ويهجو من دفع السوريين إلى الانتفاض أي نظام القمع الأسدي الفاشي والفاسد.

النخر الروحي وفساد الثورة هما الأسوأ

وعن الثورة السورية وتصحيح مساراتها سألنا الأديب وائل السوّاح فأجاب: ما جرى في سورية هزيمة لكل الأطراف، هي هزيمة للأسد وحلفائه بالدرجة الأولى، وهي هزيمة لخصوم الأسد الذين كانوا يناكفونه على أرض سورية بدماء السوريين، وهزيمة للسوريين أنفسهم الذين خسروا كلّ شيء تقريباً، خسروا حياتهم وبيوتهم وأمانيهم وفرحهم.

خُذ أيّ عائلة سورية وفكّر في كم بلد تشتّت وتبعثرت، عائلتي مثلاً تتوزع من الصين إلى كاليفورنيا مروراً بلبنان وألمانيا وفرنسا وهولندا وطبعاً سورية. لا يمكن أن نكون انتصرنا إذاً، ولكن ليست كل الثورات تنتصر بالضرورة، المهم كيف نحوّل الهزيمة إلى مادة تثقيف ذاتي وبناء للقدرات من أجل جولة قادمة.

ويضيف الأديب السوّاح: كنت ضدّ عسكرة الثورة، ولكن العسكرة ليست أسوأ ما جرى معنا، الفساد والمحسوبية والسعي الرخيص للمكاسب المادية والسلطة وتحوّل الثورة إلى مؤسسات فاسدة، النخر الروحي الداخلي لدى السوريين هذا هو أسوأ ما جرى لنا ومعنا. هل يمكن إصلاح هذه الثورة؟ لا أعتقد. هل يمكن أن نبني ونهيّئ لثورة قادمة مختلفة؟ آمل ذلك.

ننتظر ولادة “تولستوي” سوري

سألنا الأديب وائل السوّاح هل أنتجت الثورة أدبها وفنّها أم أن الوقت لم يحن بعد؟.
فأجاب: الحرب والثورة كلاهما رضّة مجتمعية بغض النظر عن الانتصارات أو الفوز، هي رضّة نفسية جماعية، وكأي رضّة تحتاج إلى زمن طويل كي يتمّ تمثّلها وإعادة إنتاجها، هناك بعض الأعمال الجميلة التي نشرت عن الحدث السوري، نبيل ملحم كتب “بنسيون مريم”، ابتسام تريسي كتبت “مدن اليمام”، مها حسن كتبت “طبول الحب”، وهي أعمال جميلة، ولكن لنتذكر أن الكتّاب السوريين لم يكتبوا عن تجارب السجن التي عاشوها (والسجين هو أيضاً رضّة) إلا بعد نحو عقدين، ولنتذكر أن “تولستوي” أصدر رواية الحرب والسلام عن الحرب بين روسيا ونابليون في عام 1869، أما الحرب فقد جرت في مطلع القرن التاسع عشر لذلك لكتابة “الحرب والسلام السورية” لا بدّ أن ننتظر زمنا ، ولا بدّ أن يكون لدينا “تولستوي” سوري.

لابدّ من أمل حقيقي لا زائف

قلنا للأديب وائل السوّاح كيف يُصنع الأمل في حالٍ كحال السوريين الآن؟ وما أدواته؟
فأجاب: قرأت لشاعر سوري قبل يومين قصيدة جميلة ومخيفة ورد فيها: ( لم يعد من أمل/ ولذلك علينا أن نيأس بثقة/ ونحقد دون ندم). الشطران يمثلان جوهر القضية، أن نصنع أملاً زائفاً يعني أن نورّث أبناءنا ومن سيرثهم الصدمة إثر الصدمة. مواجهة الأمر الواقع هي الحال المطلوبة، الأمل يأتي من دفع أجيال سورية قادمة للتهيئة لثورة أخرى تكون في شكلها ومضمونها ثورة ديمقراطية قلباً وقالباً.