دير الزور: الأهالي بين فواتير الإيجار ولهيب الأسعار

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص سوريا 24

في مدينة دير الزور، التي أنهكتها الحرب وتركَت على جدرانها آثار الدمار والفقد، تتجدد المعاناة اليوم في صورٍ جديدة لا تقل قسوة عن القصف والدمار.

فالناس الذين عادوا إلى أحيائهم المهدّمة، وجدوا أنفسهم أمام واقعٍ اقتصادي خانق، وأسعارٍ تشتعل كل يوم، فيما تغيب أيّ جهود حقيقية لترميم البيوت أو تحسين الخدمات الأساسية.

بيوت إما مهدمة أو معفشة
الأحياء التي كانت ذات يوم تعجّ بالحياة، ما تزال حتى الآن شاهدة على حجم الخراب.

معظم البيوت إما مهدمة بالكامل أو معفّشة ومنزوعة الأبواب والنوافذ، بينما تكاد الجهود الرسمية والمنظماتية لترميمها تُعدّ على الأصابع.

يقول غسان العبيد، أحد سكان دير الزور، في حديث لمنصة سوريا 24: إن “بعض المنظمات تعمل على ترميم المنازل التي تضررت جزئياً أو سُرقت تجهيزاتها، وذلك في الأحياء التي عاد إليها السكان، بينما يعيش آخرون في طوابق مهدّمة لأنها أرحم من دفع الإيجار المرتفع”.

الراتب لا يتناسب مع إيجار المنزل
ويتابع العبيد حديثه قائلاً: “أنا مستأجر حالياً، ويتعاون معي بعض الأصدقاء ووالدتي وشقيقي لتغطية المصروفات، وقد مضى أكثر من شهرين وأنا أبحث عن منزل لوالدتي وشقيقي وعائلته دون جدوى”.

وزاد بالقول: “أرخص المنازل اليوم يُطلب لها إيجار لا يقل عن مليون ونصف ليرة سورية، في حين أن متوسط الراتب لا يتجاوز 800 ألف ليرة”.

ويضيف: “أحد معارفي يمتلك منزلاً في حي مدمر، لكنه سليم إنشائياً، فقط يحتاج إلى إعادة تأهيل من ناحية الأبواب والنوافذ والكهرباء والصحية. نحاول جمع مبلغ لترميمه كي يسكن فيه”.

كلفة الترميم: أكثر من 3 آلاف دولار
ولفت إلى تكلفة الترميم في الحد الأدنى تبلغ نحو 3 آلاف دولار، أي ما يعادل 30 مليون ليرة سورية، وهو مبلغ كبير بالنسبة لأغلب الأهالي الذين يبحثون اليوم عن الحد الأدنى من الستر والمعيشة، حسب تقديراته.

العودة إلى الأحياء المهدّمة باتت حلماً بعيد المنال. ويؤكد العبيد أن “الكثير من الناس يزورون المدينة ثم يغادرون فوراً بعد أن يشاهدوا سوء الوضع والخدمات، مبيا أنه لم يبقَ أكثر من 5 بالمئة من الذين حاولوا العودة، وحتى هؤلاء عادوا فقط لأن بيوتهم ملك وليست مهدّمة بالكامل، حسب تعبيره.

غلاء الأسعار وانهيار القدرة الشرائية
لكن خلف قصص البيوت، تكمن مأساة أعمق تتمثل في غلاء الأسعار وانهيار القدرة الشرائية. مشاهد يومية تختصر حال الناس: امرأة مسنة تحاول شراء ست بيضات، تعطي البائع 7 آلاف ليرة، فيردّها قائلاً: “يا خالة، صارت بـ8 آلاف، الدولار ارتفع”، وفق ما نقل العبيد.

الأسعار في دير الزور اليوم “نار”، كما يصفها الأهالي: كيلوغرام البندورة بـ8 آلاف ليرة، البطاطا بـ4,500، الكوسا بـ7,000، الفاصوليا الخضراء بـ13,000، التفاح بـ7,000، بينما وصل سعر كيلوغرام الليمون إلى 18,000 ليرة سورية.

أما اللحوم، فخارج نطاق قدرة معظم السكان: كيلو صدور الدجاج بـ55,000، وكيلو اللحم الأحمر تجاوز 120,000 ليرة.

يقول أحد الأهالي، حسب ما نقل عنه العبيد، إن “الكثير من الناس، وأنت تسير في الشارع، قد يوقفونك ويطلبون منك أن تشتري لهم ربطة خبز. صار الخبز حلماً لبعض العائلات”.

فصل الشتاء يضاعف الهموم
ومع اقتراب فصل الشتاء، يتضاعف الهمّ مع أزمة المازوت، حيث بلغ سعر اللتر الواحد 12,000 ليرة سورية، في وقتٍ لم تبدأ فيه موجات البرد القارس بعد.

في ظل هذا الواقع، تبدو حياة الناس محكومةً بـ”الصبر والاعتماد على رحمة الله”، كما يقول العبيد، مشيراً إلى أن “الوارد المالي محدود جداً، بينما المصروف باهظ للغاية، والرواتب لا تكفي لتغطية أبسط احتياجات العائلة”.

ويضيف: “الكثير من السوريين في الخليج لا يقصرون، فهم يقدمون المساعدات الغذائية والمعيشية، لكن حجم المعاناة في الداخل يفوق كل ذلك بكثير”.

هكذا يعيش أبناء دير الزور اليوم بين ركام بيوتهم وارتفاعٍ جنوني في الأسعار وضيقٍ في سبل العيش، فيما تبقى أحلام الترميم والاستقرار مؤجلة بانتظار فرجٍ طال انتظاره.

 

 

مقالات ذات صلة