البيت الأبيض يضغط لإنهاء “قيصر” وفتح باب إعادة إعمار سوريا

Facebook
WhatsApp
Telegram

أحمد زكريا - سوريا 24

تتجه الإدارة الأمريكية نحو إحداث تحوّل استراتيجي في سياستها تجاه سوريا، إذ كشف تقرير لموقع “المونيتور” أن البيت الأبيض يضغط بقوة على الكونغرس لإلغاء ما تبقى من العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر”، في خطوة وُصفت بأنها الأجرأ منذ بداية الحرب السورية قبل أكثر من عقد.

ويأتي هذا التحرك في وقت تشهد فيه الساحة السورية تغييرات سياسية داخلية، بعد مرور قرابة عام على وصول الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع إلى السلطة، وهو ما تعتبره واشنطن، وفق التقرير، “فرصة لإعادة صياغة العلاقات مع دمشق على أسس جديدة”.

تحول جذري في الرؤية الأمريكية

بحسب ما نقله “المونيتور”، فقد أبلغ مسؤولون كبار في البيت الأبيض ووزارتَي الخارجية والخزانة أعضاء الكونغرس بأن الموقف الرسمي للإدارة هو “الإلغاء الكامل والنهائي لقانون قيصر”، معتبرين أن استمرار العمل به “يضر بالمصالح الأمريكية ويقوّض جهود إعادة الإعمار والاستقرار في سوريا”.

ويشير التقرير إلى أن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، قاد خلال الأسابيع الأخيرة اتصالات مكثفة مع كبار المشرعين الجمهوريين لحشد الدعم لإلغاء القانون، واصفًا «قيصر» بأنه “نظام عقوبات خدم غرضه الأخلاقي في وقتٍ ما، لكنه اليوم يخنق أمة تسعى للنهوض من الركام”.

وقال باراك في منشور على منصة “إكس” إن رفع العقوبات سيتيح إطلاق «إحدى أهم جهود إعادة الإعمار منذ أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية»، مؤكدًا أن استمرار القيود المالية يمنع الشركات والمستثمرين من الانخراط في السوق السورية، ما يعرقل فرص الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد.

انقسام داخل الكونغرس

ورغم الدفع القوي من البيت الأبيض، لا يزال الانقسام قائمًا داخل الكونغرس بين مؤيدين ومعارضين لإلغاء القانون.
فقد شهدت لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الشهر الماضي تصويتًا مثيرًا للجدل على مشروع قانون قدّمه النائب الجمهوري مايك لولر، يشترط إحراز تقدم في مكافحة تهريب المخدرات وحماية الأقليات مقابل رفع العقوبات. ورغم معارضة غالبية الديمقراطيين للمشروع، فقد أيده معظم الجمهوريين.

لكن جهود الإلغاء هذه حظيت بدعم غير مسبوق من شخصيات من الحزبين، مثل السيناتور جين شاهين (ديمقراطية من نيوهامبشر) والنائب جو ويلسون (جمهوري من كارولاينا الجنوبية)، في مؤشر على أن المزاج السياسي في واشنطن بدأ يتبدل باتجاه الانخراط بدل العزل.

ضغوط إسرائيلية ومصالح متشابكة

من جهة أخرى، أفادت مصادر في واشنطن بأن جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل تدفع باتجاه الإبقاء على العقوبات، بدعوى أن رفعها قد يتيح لدمشق توسيع نفوذها الإقليمي، ويمسّ بأمن إسرائيل.

وتشير المعلومات إلى أن مسؤولين إسرائيليين كبارًا، بينهم رون ديرمر، المقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أجروا اتصالات مباشرة مع مشرعين أمريكيين للتأثير في مسار القرار.

لكن في المقابل، يرى مراقبون أن الإبقاء على العقوبات لم يعد يخدم الأهداف الأمريكية في المنطقة، خصوصًا مع تحولات التوازنات الإقليمية وتصاعد أدوار روسيا وإيران والصين في الفراغ الذي تركته واشنطن خلال السنوات الماضية.

ملف الإعمار.. اختبار الثقة

تأتي هذه التحركات في ظل تقديرات البنك الدولي التي قدّرت كلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 216 مليار دولار، أي ما يعادل عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد العام الماضي.

وقد دفعت الأزمة الاقتصادية العميقة، وضعف العملة المحلية، وارتفاع التضخم، حكومة دمشق الجديدة إلى تكثيف اتصالاتها الدولية، بما في ذلك مع مسؤولين في واشنطن، للمطالبة برفع العقوبات أو تخفيفها على الأقل.

وفي المقابل، فإن الرفع الكامل للعقوبات، وليس تعليقها المؤقت، هو الشرط الأساس لدخول المستثمرين الدوليين إلى السوق السورية، إذ إن الإعفاءات المحدودة التي أصدرتها إدارة ترمب لمدة 180 يومًا لم تنجح في جذب رؤوس الأموال، بسبب استمرار المخاطر القانونية والمالية المرتبطة بالقانون.

معركة داخل واشنطن

يقول زيد علوش، مسؤول المناصرة في المجلس السوري الأمريكي، في حديث لمنصة “سوريا 24”، إن “الضغط الذي يمارسه البيت الأبيض على الكونغرس لإلغاء ما تبقى من العقوبات على سوريا يعكس تحولًا استراتيجيًا في الرؤية الأمريكية، من سياسة العزل والعقاب إلى نهج الانخراط والاستقرار”.

وأضاف أن “استمرار القانون بات يضرّ بالمصالح الأمريكية، ويعطّل بيئة الاستثمار، ويمنح خصوم واشنطن مساحة أوسع للتحرك في الساحة السورية”.

واعتبر أن “تحرك المبعوث الأمريكي توم باراك، والاتصالات المكثفة مع الجمهوريين، تعكس أن الإدارة تخوض معركة حقيقية داخل الكونغرس لتثبيت هذا التحوّل”.

وتابع علوش أن “تحذيرات مسؤولين سابقين من أن إبقاء العقوبات سيُبقي المستثمرين الأمريكيين خارج السوق السورية، تعزز قناعة الإدارة بأن المرحلة المقبلة تقتضي مقاربة جديدة تقوم على دعم إعادة الإعمار والانخراط الإقليمي”.

ويرى أن “الكفة تميل بوضوح نحو المعسكر المؤيد للإلغاء، مع دعم من مجلس الشيوخ وغرفة التجارة الأمريكية، ما قد يمهّد لنهاية فعلية لعقوبات قيصر مع نهاية العام الجاري، إذا تم تضمين الإلغاء ضمن موازنة وزارة الدفاع”.

رؤية ترمب وأبعادها الإقليمية

أما المحلل السياسي حسام نجار، فيوضح أن “الرئيس ترمب يمارس ضغوطًا متزايدة على الكونغرس لرفع العقوبات، عبر المبعوث توماس باراك والسيناتور جو ويلسون، في إطار خطة منسقة لربط ملف العقوبات بموازنة وزارة الدفاع، كونها أُقرّت أساسًا ضمنها”.

ويضيف في حديث لمنصة “سوريا 24” أن “هدف ترمب الأساسي هو جعل الشرق الأوسط أكثر استقرارًا وهدوءًا، ومنع روسيا وإيران والصين من العودة بقوة إلى المنطقة”.

كما يسعى، بحسب نجار، إلى “فرض رؤيته الاقتصادية وفتح أسواق جديدة أمام الشركات الأمريكية بدعم تركي وسعودي، بما يخدم خطته للسلام في غزة ومسار التطبيع الإقليمي”.

ويرى نجار أن “الإبقاء على العقوبات سيؤدي إلى نتائج عكسية، إذ يُبقي سوريا بؤرة صراع مفتوحة ويعطّل مشاريع الاستقرار”، مشيرًا إلى أن “وكالة الاستخبارات الأمريكية أوصت البيت الأبيض بتجميد العقوبات لمدة 180 يومًا كمرحلة أولى، تمهيدًا للضغط المباشر على الكونغرس لإلغائها لاحقًا”.

ويؤكد أن “ترمب ينظر إلى سوريا باعتبارها ساحة استثمارية واعدة، لكنه يحتاج إلى شريك سياسي واحد قادر على اتخاذ القرارات، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل بقاء العقوبات”.

سوريا بين الانتظار والرهان

في الداخل السوري، تتزايد الآمال بإنهاء العقوبات التي أنهكت الاقتصاد والمجتمع على مدى سنوات، في وقت تشير فيه أصوات سورية، من رجال أعمال ومجتمع مدني، إلى أن العقوبات باتت كحبل يلتف على عنق الاقتصاد السوري، وفق موقع “المونيتور”.

ويرى خبراء اقتصاديون أن رفع العقوبات سيسمح بإعادة دمج سوريا في الاقتصاد الإقليمي، ويفتح الباب أمام مشاريع بنية تحتية ضخمة قد تشكّل مدخلًا حقيقيًا لعودة الحياة إلى المدن المدمرة.

ووسط كل ذلك، لا تزال العقبات السياسية قائمة، خصوصًا أن مسار الإلغاء يحتاج إلى موافقة الكونغرس بشقّيه، ما يعني أن أي اعتراض جمهوري أو ضغط من اللوبيات الإسرائيلية قد يُعيد الملف إلى نقطة الصفر.

مقالات ذات صلة