تُعتبر صناعة البرغل في المنازل من العادات القديمة التي ما زالت متمسكة بها أرياف الرقة، حيث تُعرف محلياً بـ”السليجة”. هذه العادة ليست مجرد وسيلة لتحضير طعام، بل هي رمز لترابط المجتمع وروح الفرح التي تعم البيوت في موسم الإنتاج.
تعتمد النساء في أرياف الرقة على اختيار نوع خاص من القمح القاسي، الذي يتميز بجودته العالية وخشونته، لتجهيزه وإعداد البرغل. ويبدأ العمل بطبخ القمح في أوانٍ ضخمة تكفي لعدة أكياس من المحصول، وهو ما يمثل خطوة مهمة جداً لضمان جودة البرغل الناتج. بعد ذلك، يُجفف القمح المطبوخ بعناية ليُطحن أو يُجرش حسب الطلب.
وقد بيّن موسى عمر من قرية “الأنصار” تفاصيل هذه العادة التي ترافقها أجواء مميزة:
“صناعة السليجة بالنسبة لنا ليست فقط عملاً منزلياً للتوفير، بل هي مناسبة اجتماعية تعمها الفرحة والسرور. الأطفال ينتظرون هذا الوقت بشغف، حيث يتسابقون للحصول على وجبة من قدر السليجة الساخنة، وهي لحظة تجمعهم حول النار مع أسرتهم.”
ويضيف عمر:
“هذه الطريقة توفّر علينا الكثير، فهي أقلّ تكلفة من شراء البرغل الجاهز، كما أننا نتحكم في جودة المكونات التي نستخدمها. البرغل الذي نصنعه يتمتع بطعم مختلف وأفضل كثيراً لأنه من القمح المُختار بعناية.”
تتميّز صناعة البرغل في المنازل بأنها تعبّر عن روح التعاون والعمل الجماعي بين النساء في الأرياف، حيث يتعاونّ في عملية الطبخ والتجفيف والطحن، ما يخلق فرصاً للاجتماع والتواصل الاجتماعي. وتنعكس هذه الروح على الأجواء المحيطة، التي تعمها الفرح والبهجة، وخاصة الأطفال الذين يشاركون في التقاليد بحماس.
وأخيراً، السليجة ليست مجرد صناعة غذائية، بل هي جزء من التراث الاجتماعي والثقافي لأهالي الرقة، تحكي قصص الأجيال وتعزز روابط العائلة والمجتمع. من الضروري دعم هذه العادات وتوثيقها لكي تبقى حيّة ولا تختفي أمام الحداثة والتطور.









