مع اقتراب فصل الشتاء، تتراجع في كثير من القرى بريف طرطوس مظاهر “المونة” التي كانت لسنوات طويلة رمزاً للاكتفاء الذاتي والتكافل الاجتماعي، إذ باتت قدرة العائلات على تخزين مؤونة الشتاء محدودة جداً أمام الارتفاع الكبير في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.
في ريف طرطوس، الذي يُعدّ من المناطق التي عُرفت تقليدياً بإعداد المكدوس والمربيات والمخللات وغيرها من مواد المونة، باتت تلك العادة الموسمية حلماً بعيد المنال لدى كثير من الأسر.
المونة وفصل الشتاء من التحديات الصعبة
يقول خالد الأسود، وهو من سكان ريف طرطوس في حديث لمنصة سوريا 24، إن “الناس شغلها الشاغل هو كيفية تأمين مصاريف الشتوية، من ناحية التدفئة أكثر من المونة، لأنها باتت من التحديات الصعبة والمكلفة جداً”.
ويضيف الأسود، أن تكلفة خمسين كيلوغراماً من “المكدوس” تُقدّر بنحو 300 ألف ليرة سورية، في حين يبلغ سعر الكيلو الواحد من البرغل حوالي 6000 ليرة.
ويشرح قائلاً: “أقل بيت يحتاج إلى عشرين كيلو على الأقل، والناس اليوم لا تستطيع إلا أن تعمل صنفاً أو صنفين فقط، حسب قدرتها، بسبب ضيق الحال”.
ويرى أن من أبرز العوامل التي قللت من إعداد المونة هذا العام، انقطاع التيار الكهربائي وعدم ثباته، إذ “لا يمكن تخزين أي مواد في البراد من دون كهرباء، لذلك خرجت البقوليات والخضار عملياً من موضوع المونة”، على حد قوله.
رفاهية للمدينة وضرورة في الريف
ويشير الأسود إلى أن الحياة في القرى الريفية ما تزال تتيح لبعض الأهالي تأمين جزء من حاجاتهم الغذائية، قائلاً: “في القرية ممكن الواحد يربي دجاج أو أبقار ويعيش نوعاً ما، أما في المدينة فلا يمكن ذلك إطلاقاً، لذلك نسبة الناس التي تقدر تمون كما تريد لا تتجاوز عشرين في المئة”.
ويضيف أن “الوضع هذا العام أصعب من الأعوام السابقة حتى في الريف، لأن موسم الزيتون ضعيف، وسعر الكيلو من الزيتون المقبول وليس الممتاز يبلغ نحو 20 ألف ليرة سورية، ما يجعل الزيت، وهو أحد أساسيات المونة، خارج متناول معظم الناس”.
همّ المعيشة قبل همّ المونة
ويختم الأسود بالقول: “هناك عائلات كثيرة لا تملك حتى ثمن الخبز اليومي، فكيف يمكنها التفكير بالمونة؟”، مضيفاً أن “المونة باتت حلماً عند كثير من الأسر التي بالكاد تؤمّن طعامها اليومي”.
في ضوء ذلك، لم يعد اختفاء المونة من البيوت السورية مجرد مظهر اقتصادي فحسب، بل يعكس تراجع أحد الموروثات الاجتماعية المرتبطة بالريف السوري، والتي كانت تعبر عن روح التعاون والعائلة الممتدة، بينما تحوّل اليوم إعداد المونة إلى رفاهية لا يستطيعها سوى القادرين مادياً.








