في ظل التحديات المناخية والاقتصادية التي يواجهها المزارعون في محافظة الحسكة، يشهد ريف القامشلي تحولاً متزايداً في أنماط الزراعة، حيث بدأ العديد من الفلاحين يتجهون نحو زراعة الخضار، وعلى رأسها الخس، كمحصول بديل عن الحنطة والشعير اللذين تراجعت جدواهما خلال السنوات الأخيرة. ويأتي هذا التوجه خطوة لتقليل الخسائر والبحث عن محاصيل أكثر ربحية واستقراراً في ظل الظروف الصعبة.
من قرية بياندور الواقعة على طريق القحطانية – القامشلي، تحدث المزارع محمد العبدالله لموقع سوريا 24 عن تجربته قائلاً: “اتجهنا هذا العام إلى زراعة الخس بعد أن تكبدنا خسائر كبيرة في محاصيل القمح والشعير. تتميز زراعة الخس بدورة إنتاجية تمتد قرابة ثلاثة أشهر من الزراعة حتى القطاف، لكنها تحتاج إلى متابعة دقيقة وسقاية مستمرة، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وقلة المياه في المنطقة.”
وأوضح العبدالله أن تكلفة زراعة الدونم الواحد تصل إلى نحو 150 دولاراً، وتشمل أجور العمالة وتكاليف السقاية والبذار والأسمدة والمبيدات الزراعية، مشيراً إلى أن إنتاج الدونم الواحد يتراوح بين ثلاثة وأربعة أطنان، في حين يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد حالياً نحو ألفي ليرة سورية. وأضاف أن هذه الأسعار تُعد مناسبة وتشجع على الاستمرار في زراعة الخس، بخلاف محاصيل المواسم السابقة التي لم تغط تكاليفها بسبب ضعف الإنتاج وارتفاع أسعار المحروقات.
وأضاف المزارع: “زراعة الخس أثبتت أنها خيار مجدٍ في هذه المرحلة. لا تحتاج إلى نوعية تربة محددة، لكنها تتطلب الاهتمام المستمر. والأهم أنها محصول مطلوب في الأسواق المحلية ويتم تسويقه بسرعة دون عناء كبير، مما يخفف من خسائرنا ويمنحنا استقراراً أفضل.”
في السياق ذاته، تحدث المزارع أبو جهاد، أحد المزارعين القدامى في المنطقة، لـ سوريا 24 عن تجربته قائلاً: “عملت في زراعة القمح سنوات طويلة، لكن الإنتاج تراجع بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ولم يعد يغطي تكاليف السماد والمازوت. هذا العام قررت تجربة زراعة الخس، وكانت النتيجة مرضية جداً، فالإنتاج جيد، والتسويق سهل، والأسعار مستقرة إلى حد معقول.”
وأضاف أبو جهاد أن الإقبال على زراعة الخس في المنطقة آخذ في الازدياد، موضحاً أن “الخس أصبح يشكل خياراً واقعياً للمزارعين الباحثين عن محصول سريع العائد، خاصة أنه يُستهلك بشكل يومي في الأسواق والمطاعم، ما يجعله سلعة مطلوبة طوال العام.”
ويرى مزارعون في القامشلي أن هذه التجارب الفردية قد تشكل بداية لتحول أوسع في النمط الزراعي المحلي، حيث بدأت الخضروات تحتل مساحة أكبر من الأراضي المزروعة على حساب الحبوب. ويؤكدون أن تنويع الإنتاج الزراعي بات ضرورة في مواجهة التغيرات المناخية وارتفاع تكاليف الإنتاج، إضافة إلى السعي لتأمين دخل مستقر يعينهم على تجاوز الأوضاع المعيشية الصعبة.
وختم المزارع محمد العبدالله حديثه لـ سوريا 24 بالقول: “نأمل أن تكون زراعة الخس بداية جديدة للمزارعين في منطقتنا، وأن تسهم في تعويض خسائرنا السابقة. هذه التجربة منحتنا الأمل، وأثبتت أن الإرادة والاجتهاد يمكن أن يحققا النجاح رغم كل التحديات.”
بهذا، تبرز زراعة الخس في ريف القامشلي كنموذج للتحول الزراعي المحلي نحو محاصيل أكثر مرونة وربحية، في خطوة تمثل استجابة عملية من المزارعين للظروف الاقتصادية والمناخية الصعبة التي تعصف بالمنطقة.









