دمشق:نساء وأطفال يبيعون الخبز على الأرصفة هربًا من الجوع

Facebook
WhatsApp
Telegram

منيرة بالوش - سوريا 24

على مقربة من أفران ابن العميد في منطقة ركن الدين بدمشق، تصطف مجموعة من النساء يحملن أرغفة الخبز بيد، وباليد الأخرى يلوّحن للمارة وسائقي السيارات في محاولة لبيعها مقابل ستة آلاف ليرة سورية للربطة الواحدة، لا يتبقى لهنّ منها سوى ألفي ليرة فقط بعد شرائها من الفرن.

عملية البيع هذه تتكرر على مدار اليوم، لتحقّق البائعة في نهاية النهار دخلًا لا يتجاوز عشرين ألف ليرة سورية، أي ما يعادل أقل من دولار واحد وفق سعر الصرف الحالي.

تقول أم علي، وهي نازحة من دير الزور إلى دمشق تمتهن بيع الخبز منذ سنوات، إن هذه المهنة أصبحت مصدر رزقها الوحيد:
“عندما لا أبيع الخبز، لا أستطيع شراءه لأطفالي. لا يوجد عمل آخر يناسبنا كنساء، فبيع الخبز هو ما يُبقينا على قيد الحياة”، تقول بصوتٍ تخنقه مرارة الحاجة.

مشهد بيع الخبز لم يعد غريبًا في العاصمة، بل أصبح مألوفًا إلى حدٍّ مؤلم. فنساء وأطفال ورجال أيضًا يقفون يوميًا أمام الأفران أو على الأرصفة المزدحمة في انتظار زبونٍ يبحث عن طريق أسرع للحصول على الخبز.

خلف وشاحٍ أسود يُخفي ملامحها من برد الصباح وغبار السيارات، تقف ربيعة، شابة في العشرينات من عمرها، أمام مشفى المنار في الجهة المقابلة للطريق، تعرض الأرغفة على السيارات المارة.

“كثير من الناس لا يستطيعون الوقوف في طوابير الفرن، فأبيعهم الخبز بسرعة، وهم يستفيدون وأنا أستفيد”، تقول بابتسامة خجولة تحاول إخفاء التعب في عينيها الغائرتين.

للأطفال نصيب أيضًا

إلى جانب السيدتين، يركض ثلاثة أطفال في العاشرة من أعمارهم بين السيارات يحملون ربطات الخبز الصغيرة، يرفعون أصواتهم لجذب الزبائن. لم يجد هؤلاء الصغار طريقًا إلى المدرسة، فاختاروا طريق العمل في الشارع.

يقول الطفل صلاح، وهو يتحدث بثقة تفوق عمره: “أبيع الخبز لأساعد أمي بمصروف البيت، أبي مات من سنتين، وما عاد في غيري يساعدها”.

ورغم أن الأهالي يشكون من الازدحام والفوضى أمام الأفران، ويتهمون الباعة بأنهم “يتسببون بالتدافع والمشاكل”، إلا أن هؤلاء الباعة يرون في عملهم حلًا اضطراريًا لا يمكن الاستغناء عنه، خصوصًا في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة في سوريا، حيث تجاوزت 50% بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وبلغت نسبة الفقر أكثر من 90% من السكان.

الفقر يفرض واقعه… والدولة غائبة عن الحلول

تغيب أي حلول فعلية من الجهات الحكومية للحد من هذه الظاهرة أو لتأمين فرص عمل بديلة للنساء والأطفال. فبينما تعتبر السلطات أن بيع الخبز في الشوارع مخالفة، لا تقدّم في المقابل بدائل واقعية، تاركة الفئات الهشّة تواجه قسوة الحياة بوسائلها البسيطة.

تعكس ظاهرة انتشار بيع الخبز بهذه الصورة تراجع شبكات الأمان الاجتماعي في سوريا، ليُصبح العمل غير المنظَّم ملاذًا للنازحين والفقراء، خصوصًا النساء اللواتي فقدن أزواجهن أو معيل الأسرة، فهنّ اليوم يتحمّلن عبء الإعالة في ظروف لا إنسانية.

ظاهرة تتّسع… ولقمة العيش تزداد صعوبة

في نهاية اليوم، يعود الباعة إلى منازلهم وقد أنهكهم التعب، محمّلين ببضع أوراق نقدية بالكاد تكفي لشراء طعام اليوم التالي. وبينما تستمر الأفران في الازدحام، تبقى أرصفة دمشق شاهدة على مشهدٍ يومي يعكس عمق الأزمة المعيشية التي دفعت الناس إلى الاتجار بلقمة عيشهم نفسها.

 

مقالات ذات صلة