يشهد معبر جوسيه الحدودي بين سوريا ولبنان حركة متصاعدة للعائدين طوعاً إلى البلاد، بعد سنوات طويلة من النزوح والمعاناة في المخيمات اللبنانية.
ويُعد المعبر من أهم النقاط الحدودية التي تربط بين البلدين، خاصة بالنسبة للعائلات المقيمة في مناطق البقاع وعرسال وجرودها، إذ يشكل شرياناً إنسانياً لعودة السوريين إلى قراهم ومدنهم.
في هذا السياق، أوضح مدير معبر جوسيه، لؤي سليمان، لموقع سوريا 24 أن إدارة المعبر تعمل على تسهيل إجراءات الدخول للعائدين بالتنسيق مع الجهات المعنية، حيث يتم استقبالهم ضمن إجراءات مبسطة تشمل التحقق من البيانات الشخصية إلكترونياً، وتبديل سيارات العفش في ساحات المعبر المخصصة لذلك.
وأكد أن الكوادر العاملة تبذل جهوداً استثنائية لتأمين عودة آمنة ومنظمة للسوريين، مشيراً إلى وجود خطة تطوير شاملة للمعبر تشمل ترميم البنى التحتية وتحسين الخدمات.
أما عن الأعداد، فوفقاً للمسؤول في المعبر، فقد بلغ عدد القادمين عبر المعبر منذ إعادة افتتاحه أكثر من 212 ألف شخص، في حين غادر البلاد نحو 145 ألف مسافر.
كما وصل عدد العائدين طوعاً إلى سوريا عبر المعبر نحو 56 ألفاً و150 شخصاً، وفق بيانات قسم الهجرة والجوازات في المعبر.
شهادات من العائدين
من بين العائدين، مريم المحمد التي عادت إلى سوريا بعد رحلة نزوح قاسية، وهي تفتقد زوجها الذي توفي قبل أشهر قليلة “كمداً على ابنه المختطف”، كما تقول.
تروي مريم قصتها بصوت يغلب عليه الحزن، موضحة أن ابنها خُطف أولاً على يد النظام البائد عام 2013، ثم أُفرج عنه، ليُعتقله تنظيم داعش لاحقاً.
تعتقد أن ابنها محتجز حالياً لدى قوات “قسد”، وتطالب السلطات السورية والمنظمات المعنية بالمساعدة في الكشف عن مصير ابنها الذي غاب منذ أكثر من عقد.
وتضيف مريم أنها تستقبل أرض الوطن بفرح كبير، لكنها تؤكد في المقابل أن “الفرحة منقوصة”، لأنها عادت بلا زوجها الذي مات حزناً، وبلا ابنها المفقود.
أما هنادي، فقد عادت بعد أربعة عشر عاماً من النزوح في لبنان، وتصف لحظة العودة قائلة: “شعوري لا يوصف، فبعد رحلة شاقة في المخيمات عدت إلى وطني وأهلي”، وأنه “رغم التعب، أشعر أن الحياة تبدأ من جديد، وأن الوطن هو الملاذ الحقيقي”.
الأب جورج لويس خوري: “سوريا اليوم أكثر أماناً وعادت لأهلها”
من بين العائدين أيضاً، الأب جورج لويس، رجل دين مسيحي من طائفة الروم الملكيين الكاثوليك، سوري الأصل ومجنس لبناني، عاد إلى بلده بعد سنوات قضاها في البقاع.
يقول الأب لويس لموقع سوريا 24 إن عودته إلى سوريا كانت “لحظة إيمان وواجب تجاه الوطن”، مشيراً إلى أنه يعيش حالياً في منطقة القلمون ويخدم رعيته في حمص بعد سنوات من الغياب.
ويضيف: “بعد التحرير تغير كل شيء.. الناس أكثر طمأنينة، والبلد يستعيد عافيته. سوريا اليوم عادت لأهلها، وهناك إحساس جديد بالأمان والحياة”.
ويتابع بصوت تغلب عليه الثقة: “سنوات الحرب كانت قاسية على الجميع، لكنها أظهرت وحدة السوريين وقوتهم، ونحن اليوم أمام فرصة حقيقية لبناء سوريا الجديدة، وعلى الجميع أن يشارك في هذا البناء، كلّ من موقعه وإيمانه وانتمائه”.
ويختم بالقول: “سوريا بحاجة إلى أبنائها، في الداخل والخارج”، وأن العودة ليست مجرد خطوة جغرافية، بل عودة إلى الجذور والهوية، “الوطن بيتنا، وآن الأوان أن نعيد إليه ما فقده من حب وسلام”.
يقع معبر جوسيه على الحد الفاصل بين قرية جوسية غرب مدينة القصير في ريف حمص من الجهة السورية، وبلدة القاع في البقاع الشمالي من الجهة اللبنانية، ويُعد نقطة عبور مباشرة بين القصير والقاع ضمن نطاق محافظة حمص ومنطقة بعلبك الهرمل.
أُعيد افتتاح المعبر زمن النظام البائد في 14 كانون الأول/ديسمبر 2017 بعد إغلاق دام قرابة خمس سنوات بدأ أواخر عام 2012 نتيجة الحرب، وذلك عقب أعمال تأهيل وصيانة شملت البنى التحتية ومقار الأجهزة الحدودية على الجانبين، ومن ثم أعادت الإدارة الجديدة تأهيله من جديد بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي.









