ما تزال أصداء قرار شطب اسمي الرئيس السوري أحمد الشرع، ووزير داخليته أنس خطاب من قائمة العقوبات الدولية، تتصدر واجهة الأحداث السيايسية المتعلقة بالملف السوري وتداعياته على سوريا داخليا وخارجياً.
وفي خطوة وُصفت بأنها بداية مرحلة جديدة في العلاقة بين دمشق والمجتمع الدولي، صوّت مجلس الأمن الدولي، يوم الخميس، على مشروع قرار تقدّمت به الولايات المتحدة، يقضي برفع اسمَي الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم العقوبات الدولية المفروضة منذ عام 2014.
واعتُبرت هذه الخطوة مؤشراً إيجابياً على الثقة المتزايدة بالتحوّل السياسي والمؤسساتي داخل سوريا، ودعماً لجهود تثبيت الاستقرار بعد عقد من الأزمات والحصار.
ثقة دولية متزايدة بالدولة السورية الجديدة
القرار الذي حظي بتأييد واسع داخل مجلس الأمن، جاء تتويجاً لمسار من التغييرات السياسية والأمنية التي شهدتها سوريا خلال السنوات الأخيرة، وتعبيراً عن قناعة متنامية بضرورة دمج دمشق مجدداً في النظام الدولي.
ورحب المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، بالقرار، واصفاً إياه بأنه “دليل على الثقة الدولية المتزايدة في الدولة السورية الجديدة”، مؤكداً أن “سوريا اليوم دولة سلام وشراكة، وليست ساحة لتصفية الحسابات. نمدّ يدنا للعالم من أجل التعاون لا الصراع”.
وأضاف علبي أن سوريا تسعى إلى “لعب دور حضاري واقتصادي جديد في المنطقة والعالم”، مشيراً إلى أن “سوريا تطمح لأن تكون جسراً بين الشرق والغرب، مستندة إلى إرثها العريق في الثقافة والفكر والتجارة والصناعة والزراعة”.
خطوة لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية
من جانبه، أشار الرئيس الأميركي إلى أن قرار رفع العقوبات جاء “بعد مشاورات وتنسيق مع عدد من الدول الإقليمية”، موضحاً أن الهدف من الخطوة هو “منح سوريا فرصة حقيقية لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية والانخراط في علاقات أكثر استقراراً مع جيرانها والعالم”.
وبعد ساعات من التصويت في مجلس الأمن، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية رسمياً رفع اسمَي الرئيس أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب من قوائم العقوبات، في حين أكد الاتحاد الأوروبي أنه يعتزم اتخاذ خطوة مماثلة “تماشياً مع القرار الأممي الجديد” الذي يعكس، بحسب التكتل، “إرادة دولية لإعادة تأهيل الدور السوري في المنطقة”.
تحوّل استراتيجي لا مجرد إجراء إداري
وفي السياق، يرى المحلل السياسي حسن النيفي أن القرار الأممي “لم يجسد تعبيراً عن مصلحة راهنة أو طارئة فحسب، بل هو منبثق من استراتيجيات الدول الكبرى حيال سوريا”.
وقال النيفي في حديث لمنصة سوريا 24: “”يمكن إيجاز أهم المحددات التي استند إليها القرار بما يلي: الإقرار برفع العقوبات يعني الإقرار الدولي بالمنجز الذي تحقق في سوريا وتداعيات هذا المنجز على المنطقة (سقوط نظام الشر الأسدي وطرد النفوذ الإيراني)، إضافة إلى أن رفع العقوبات يعني الاعتراف الصريح بالتحوّل التاريخي الذي تحقق في سوريا”.
وتابع: “قرار مجلس الأمن يؤكّد أن سوريا باتت شريكاً للمجتمع الدولي وليست عبئاً عليه كما كانت في عهد النظام البائد، ويؤكد بأنه ليس مجرد رفع عقوبات عن شخصين فحسب، بل هو جسر جديد بين سوريا والمجتمع الدولي”.
ويشير النيفي إلى أن القرار يحمل بعداً سياسياً عميقاً يتجاوز الأسماء المشمولة به، ليشكل إعلاناً غير مباشر عن عودة سوريا إلى موقع فاعل في النظام الإقليمي والدولي.
بعد إصلاحي مشروط وحوافز سياسية واقتصادية
أما الباحث في المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة، طلال المصطفى، فرأى أن رفع العقوبات عن الرئيس السوري ووزير داخليته “يحمل دلالات تتجاوز البعد الإجرائي”، موضحاً أن “القيمة الأساسية لمثل هذا الإجراء تكمن في كونه أداة ضغط إيجابية يمكن توظيفها لدفع مسار سياسي مختلف داخل سورية”.
وقال المصطفى في حديث لمنصة سوريا 24: “رفع العقوبات قد يشكّل اعترافاً مبدئياً بإمكانية انتقالٍ نحو نهج حكم أقل صدامية وأكثر قابلية للتعاون مع المجتمع الدولي، شرط أن يرتبط بخطوات ملموسة تعزّز سيادة القانون، وتحسّن البيئة الإنسانية، وتقلّل من قبضة الأجهزة الأمنية”.
وأضاف: “من منظور بحثي بحت، أهمية هذا الرفع لا تأتي من كونه مكافأة، بل من كونه مشروطاً بسلوك سياسي وإداري جديد. يمكن أن يتيح مساحة لحوار دولي يخفف عزلة الدولة السورية، ويزيد قدرة المؤسسات على العمل بفاعلية، ويخلق حوافز اقتصادية واقعية”.
وأعرب عن اعتقاده بأن: “هناك ضرورة لربط رفع العقوبات بخطة إصلاح واضحة، قابلة للقياس، ومراقَبة دولياً. هذا يُحوّل العقوبات من عقاب جامد إلى أداة تغيير مدروسة، ويجعل الرفع خطوة تعزّز الاستقرار بدل أن تمنح شرعية مجانية”.
نحو مرحلة جديدة من الانفتاح والاستقرار
ويمثل القرار الأممي، حسب النيفي والمصطفى، بداية لعودة تدريجية لسوريا إلى الساحة الدولية، بعد عزلة استمرت أكثر من عقد، وأنه قد يفتح الباب أمام إعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع عدد من الدول، واستقطاب الاستثمارات، وإطلاق برامج دعم اقتصادي وتنموي.
كما يُنتظر أن تنعكس هذه الخطوة إيجاباً على الأوضاع المعيشية والإنسانية داخل البلاد، من خلال تسهيل التحويلات المالية، وتخفيف القيود على التعاملات التجارية، وتعزيز قدرة الدولة على جذب الدعم الدولي.
ووسط كل ذلك، فإن رفع العقوبات عن الشرع وخطاب ليس مجرد إجراء رمزي، بل خطوة سياسية ذات أبعاد استراتيجية، تؤشر إلى تحوّل في مقاربة المجتمع الدولي تجاه دمشق، وتُمهّد لمرحلة جديدة من الاستقرار والانفتاح والحوار الإقليمي والدولي، ما يعيد لسوريا تدريجياً دورها التاريخي في المنطقة والعالم.








