تتصاعد شكاوى أهالي العاصمة دمشق يوماً بعد يوم من تردّي أوضاع سرافيس النقل الداخلي، التي تُعدّ الوسيلة الأساسية لتنقّل آلاف المواطنين بين أحياء المدينة وضواحيها. وبين أزمات المحروقات وارتفاع الأسعار وتقلّص عدد السرافيس العاملة، أصبحت مشاهد الانتظار الطويل والازدحام الخانق جزءاً من يوميات سكان العاصمة.
ورغم المحاولات المتكررة لتنظيم هذا القطاع، لا تزال الحلول بعيدة عن الواقع، في وقتٍ باتت فيه معاناة الركاب والسائقين عنواناً دائماً لحركة النقل في دمشق.
سرافيس متهالكة… وغياب مظاهر الصيانة والنظافة
يؤكد كثير من الركاب أن معظم السرافيس العاملة حالياً قديمة ومهترئة وتفتقر إلى الحد الأدنى من معايير الراحة والسلامة. فالمقاعد ممزقة ومتسخة، والنوافذ مكسورة، والروائح داخل بعضها خانقة بسبب الإهمال الطويل.
يقول أحد الركاب في حديثه إلى سوريا 24: “نادرًا ما تصعد في سرفيس مجدد من الداخل. أغلب الكراسي مهترئة ومتسخة، وبعضها بلا إسفنج حتى، وكأنك جالس على الأرض.”
ولا يقتصر الأمر على المظهر الخارجي، بل يتعداه إلى أعطال ميكانيكية متكررة تتسبب بتوقف السرافيس في منتصف الطريق أو تأخيرها عن مواعيدها، ما يضاعف من معاناة الركاب، خصوصاً في أوقات الذروة.
ازدحام خانق داخل الباصات العامة
وعلى الرغم من رداءة السرافيس، يفضّل الكثير من الأهالي استخدامها على باصات النقل الداخلي التي باتت – بحسب وصفهم – “مصدراً للتعب والتوتر”.
ففي الباصات، يتحدث الركاب عن ازدحام خانق وتكدّس عشرات الأشخاص في مساحة ضيقة، مما يخلق مشكلات متكررة تتراوح بين الاختناق الجسدي والتحرش والسرقات.
تقول إحدى الموظفات لموقعنا: “أحياناً نضطر للوقوف في الباص لأكثر من نصف ساعة، ومع الازدحام يصبح الأمر مزعجاً وخطراً، لذلك أفضّل ركوب السرفيس رغم حالته المزرية.”
ويشير بعض الركاب إلى أن غياب الرقابة يسمح بتجاوز الطاقة الاستيعابية للباصات، حيث يواصل السائقون تحميل الركاب حتى آخر لحظة دون الالتفات إلى معاناة من بداخلها، ما يحوّل الرحلة اليومية إلى تجربة مرهقة ومزعجة.
السائقون بين صعوبة الإصلاح وارتفاع التكاليف
من جهة أخرى، يواجه سائقو السرافيس تحديات كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، إذ ترتفع تكاليف الصيانة بشكل مستمر، بينما تتراجع الإيرادات نتيجة قلة عدد الرحلات بسبب أزمات الوقود أو الأعطال.
يقول أحد السائقين العاملين على خط المزة – كراجات في تصريح خاص لـ سوريا 24: “السرافيس القديمة أفضل من الجديدة رغم أن أسعارها متقاربة، فهي تتراوح اليوم بين 100 و150 مليون ليرة سورية، لكن إصلاح القديم أسهل وأرخص بكثير. أستطيع إصلاح معظم الأعطال بنفسي دون الحاجة لورشات متخصصة، بعكس السرافيس الحديثة التي تحتاج تجهيزات وقطع غيار باهظة الثمن وغير متوفرة في أغلب الأحيان.”
ويضيف السائق أن كثيراً من زملائه يضطرون لإبقاء مركباتهم متوقفة لأسابيع بسبب نقص قطع الغيار أو غلاء المحروقات، ما يؤدي إلى نقص السرافيس العاملة على الخطوط، وبالتالي تزايد الازدحام وتأخير الركاب عن أعمالهم ودراستهم.
أجور النقل ترتفع والمواطن يختار “الأخف ضرراً”
لم تتوقف المعاناة عند سوء الخدمة، بل زادها ارتفاع أجور النقل الداخلي مؤخراً. فبعد رفع أجرة الباصات من 2000 إلى 3000 ليرة سورية، بات الفارق بين السرافيس والباصات بسيطاً، ما جعل كثيراً من المواطنين يفضّلون السرافيس رغم رداءة حالها.
يقول أحد الركاب: “الفرق بالسعر لم يعد كبيراً، لذلك أختار السرفيس لأنه أسرع وأقل ازدحاماً. حتى لو كان متعباً، على الأقل أصل إلى عملي بوقت معقول.”
ويعتبر البعض أن هذا التقارب في الأسعار يجعل من الصعب تبرير بقاء الباصات على حالها دون تحسين الخدمات أو زيادة عددها، خاصة أن معظم الركاب يدفعون المبلغ ذاته تقريباً لقاء خدمة أقل جودة وأبطأ أداءً.
دعوات لإصلاح شامل في قطاع النقل
في ظل هذا الواقع المليء بالمشكلات، يطالب الأهالي الجهات المعنية في محافظة دمشق ووزارة النقل باتخاذ خطوات عملية لتحسين خدمات النقل الداخلي، تشمل تجديد أسطول السرافيس والباصات، وضمان نظافتها، وتنظيم خطوطها بما يخفف الازدحام ويؤمّن توازناً بين عدد المركبات والطلب اليومي.
ويؤكد مواطنون أن الحلول المؤقتة لم تعد مجدية، وأن القطاع بحاجة إلى خطة إصلاح شاملة تعيد الثقة بوسائل النقل العامة، وتضمن استمرارية الخدمة بشكل منتظم بعيداً عن الأزمات المتكررة، خصوصاً في أوقات الذروة الصباحية والمسائية.
كما يدعو الأهالي إلى تحسين ظروف عمل السائقين، وتأمين المحروقات والقطع الأساسية بأسعار مدعومة، بما يساعد على إبقاء السرافيس في الخدمة ويمنع توقفها المفاجئ، الذي يربك حياة آلاف الركاب يومياً.
في النهاية، يبقى مشهد النقل في دمشق مرآة لأزمة خدمية واقتصادية أوسع يعيشها المواطن السوري، حيث تحولت السرافيس من وسيلة نقل إلى رمز للمعاناة اليومية. وبين ازدحام الباصات وسوء حال السرافيس، لا يزال الناس يبحثون عن وسيلة تنقّل تحفظ لهم بعض الراحة والكرامة، بانتظار إصلاحٍ حقيقي يُعيد للنقل العام مكانته ويخفّف من أعباء التنقل في العاصمة السورية.









