نتنياهو جنوب سوريا.. رسائل تصعيد في لحظة إقليمية حساسة

Facebook
WhatsApp
Telegram

أحمد زكريا - سوريا 24

أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إشعال التوتر في الجنوب السوري عبر زيارة ميدانية غير مسبوقة إلى داخل الأراضي السورية العازلة، في خطوة وُصفت بأنها “استفزازية وعدوانية”، واعتُبرت انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية وأحكام القانون الدولي.

وتزامنت الزيارة مع تصعيد ميداني واسع، شمل توغلات برية متكررة وعمليات تفتيش وملاحقة واعتقالات داخل قرى ريفي القنيطرة ودرعا، في مشهد يعكس تصميماً إسرائيلياً على فرض معادلات جديدة على الأرض.

وتأتي هذه التطورات في وقت تشير فيه تقارير إعلامية إسرائيلية إلى تعمّد نتنياهو إرسال رسائل سياسية متعددة الاتجاهات.

وذكرت القناة “12” العبرية أن الزيارة جرت برفقة كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين، داخل المنطقة السورية العازلة التي تسيطر عليها تل أبيب منذ نهاية العام الماضي، وهو ما جاء وسط حديث عن تعثر المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، رغم الوساطات الدولية التي تحاول دفع الطرفين نحو تفاهمات أمنية جديدة.

ولا تقتصر التطورات على الزيارات السياسية، بل تمتد إلى عمليات توسع عسكري ممنهجة، حيث تواصل إسرائيل تنفيذ توغلات يومية في القرى الحدودية، ونصب حواجز مؤقتة، وتنفيذ عمليات تفتيش واعتقال طالت عدداً من السوريين.

التوغلات ليست حدثاً عابراً
ويرى العميد والمحلل العسكري عبد الهادي ساري أن التوغلات الإسرائيلية ليست حدثاً عابراً، بل امتداد لسياسة توسعية ثابتة.

ويقول في حديث لمنصة سوريا 24: “في الواقع، لن تتوقف الانتهاكات الإسرائيلية، لأن المشروع الصهيوني منذ نشأته لم يكن ليُبنى دون احتلال وتوسع، فقد احتلت إسرائيل فلسطين عام 1948 بدعمٍ مُعلن من القوى الغربية الكبرى، وبغطاءٍ دولي آنذاك، وبعد سقوط النظام السابق في سوريا، شهدنا كيف تحركت الآلة العسكرية الإسرائيلية بجرأة متزايدة داخل الأراضي السورية، حيث احتلت المنطقة العازلة بالكامل التي تُعد منطقة منزوعة السلاح بموجب اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، وحولتها إلى قاعدةٍ دائمة للانطلاق نحو العمق السوري”.

ويوضح ساري أن إسرائيل أنشأت 15 قاعدة عسكرية داخل المنطقة العازلة، تستخدمها لعمليات توغل ميداني وفرض حواجز وتفتيش منازل، مشيراً إلى اعتقال نحو خمسين شاباً سورياً اقتيدوا إلى داخل الأراضي المحتلة، عاد بعضهم بينما لا يزال آخرون مجهولي المصير.

من جهتها، تُفيد هيئة البث الإسرائيلية بأن الخلاف الجوهري في المفاوضات يتمحور حول مسألة الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب السوري، إذ تطالب دمشق بعودة الوضع إلى ما كان عليه قبل 8 ديسمبر 2024، بينما تشترط إسرائيل توقيع اتفاق سلام شامل قبل أي انسحاب، وترفض التخلي عن المناطق التي استولت عليها بعد سقوط النظام السابق. هذا الوضع خلق فراغاً تفاوضياً تستغله تل أبيب لتكثيف حضورها الميداني وفرض وقائع جديدة على الأرض.

ويضيف العميد ساري: “زيارة نتنياهو الأخيرة، برفقة كبار مسؤولي الدولة، ليست حدثاً بروتوكولياً، بل استعراض قوة ورسالة سياسية مركبة، إذ جاءت بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن، ولقائه الحار بإدارة ترامب، في محاولة من نتنياهو لرفض أي وساطة سعودية محتملة أو ضغوط أمريكية لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 8 ديسمبر 2024”.

وبحسب ساري، فإن إسرائيل أتبعت الزيارة بتحليق مجموعات من الطائرات الحربية اخترقت الأجواء السورية وصولاً إلى عمق البلاد، في محاولة لإثبات قدرتها على التأثير العسكري المباشر على الجنوب السوري.

كما يربط ساري التصعيد برسائل موجّهة إلى روسيا وتركيا، قائلاً: “إسرائيل تريد منع أي تواجد عسكري سوري أو روسي في الجنوب، وتريد أيضاً أن تبعث برسالة إلى أنقرة بأن أي تقوية للجيش السوري، سواء عبر التدريب أو الدعم اللوجستي، لن تمر دون رد”.

ويختتم: “العقيدة الأمنية الإسرائيلية تستهدف تفكيك الدولة السورية عبر خلق كيانات طائفية أو سياسية. وكل ذلك يجري في ظل خروقات لقرارات مجلس الأمن 338 و497، وفي ظل صمت دولي يهدد الأمن الإقليمي بأسره”.

أبعاد سياسية ورسائل موازية
التحرك الإسرائيلي الأخير أثار موجة إدانات عربية ودولية، بدأت من وزارة الخارجية السورية التي رأت في زيارة نتنياهو خرقاً واضحاً لخطوط وقف إطلاق النار واتفاقية فصل القوات لعام 1974، مروراً بمواقف رافضة من قطر والأردن وتركيا، التي اعتبرت أن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية يشكل تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي، ويمس قواعد القانون الدولي التي تؤكد وحدة الأراضي السورية.

من زاوية موازية، يشرح الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش أن التحركات الإسرائيلية تأتي ضمن استراتيجية سياسية واضحة المعالم.

ويقول في حديث لمنصة سوريا 24: “التصعيد الإسرائيلي الأخير والتفاعلات العسكرية في الجنوب السوري تعود إلى مجموعة من الأسباب والدوافع، أبرزها رغبة إسرائيل في ممارسة ضغطٍ مباشر على الرئيس أحمد الشرع، لدفعه إلى القبول باتفاق أمني تفرضه إسرائيل بشروطها الخاصة، كما تريد إسرائيل أن يُدرج هذا الاتفاق ضمن إطار اتفاق سلام أوسع، وهو ما يُشكّل جوهر استراتيجيتها طويلة الأمد تجاه سوريا”.

ويضيف أن توقيت التصعيد مرتبط بزيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن، موضحاً: “ترى إسرائيل أن الشرع حصل على جرعة دعم أمريكية قوية من الرئيس ترامب، لذلك تتحرك لتأكيد أن موقفها لم يتأثر بالتقارب الأمريكي–السوري، وأنها صاحبة اليد العليا في الجنوب”.

كما يرى أن جزءاً من الرسائل موجّه إلى تركيا أيضاً: “التنافس التركي الإسرائيلي في سوريا يُعد أحد المحركات الأساسية للسياسة العدوانية الإسرائيلية، ولذلك تعمل تل أبيب على تثبيت نفوذها ومنع أنقرة من لعب دور أكبر في الجنوب”.

ويؤكد علوش أن الذرائع الإسرائيلية حول مواجهة التمدد الإيراني ليست سوى غطاء سياسي: “هذه الذرائع مجرد ستار لتبرير سياسات توسعية تُقدَّم تحت شعار الأمن. فمفهوم الأمن في الرؤية الإسرائيلية مفهوم مرن يستخدم لتبرير التوسع، وليس لحماية حدود ثابتة”.

ويختم: “حتى الاتفاق الذي تحاول إسرائيل فرضه على دمشق ليس اتفاقاً مؤقتاً أو مرتبطاً بتفاهمات آنية، بل محاولة لإضفاء شرعية على مشاريعها التوسعية بعيدة المدى”.

فرض معادلات جديدة
ووسط كل ذلك، تؤكد التطورات الميدانية والسياسية في الجنوب السوري أن إسرائيل تسعى إلى فرض معادلات جديدة عبر القوة والضغط المباشر، مستغلة حالة التعثر في المفاوضات والفراغ السياسي الذي تلى سقوط النظام السابق.

ومع تصاعد الإدانات العربية والدولية، يبقى الجنوب السوري ساحة مفتوحة على احتمالات متعددة، في وقت تعمل فيه الدولة السورية الجديدة على تثبيت سيادتها والحفاظ على استقرارها وسط بيئة إقليمية شديدة التعقيد يحاول نتنياهو زيادة تلك التعقيدات واللعب على وترها لزعزعة الاستقرار.

 

مقالات ذات صلة