من يحرك نار الفتنة في حمص ولماذا الآن؟

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24 - أحمد زكريا

تعيش مدينة حمص منذ اليومين الماضيين توتراً متصاعداً أعاد إلى الأذهان أكثر اللحظات حساسية في تاريخها، فالجريمة المروعة التي استيقظت عليها المدينة، مقتل رجل رجماً بالحجارة وحرق زوجته، وكتابة عبارات طائفية بالدم داخل المنزل، لم تكن مجرد حادثة جنائية، بل تحولت سريعاً إلى شرارة أشعلت توتراً واسعاً، أعاد طرح السؤال الأكثر خطورة: من المستفيد من إذكاء الفتنة وزعزعة الاستقرار في حمص؟

وفق المعطيات المتقاطعة، فإن الضحية وزوجته ينتميان إلى عشيرة بني خالد من بدو حمص، وقد وقعت الجريمة بين منطقة زيدل وحي الزهراء وأوتوستراد الستين، وهي مناطق متاخمة لأحياء ذات غالبية من الطائفة العلوية.

ومع انتشار الصور والمعلومات الأولية، تحركت مجموعات من بعض أبناء العشيرة نحو أحياء المهاجرين وضاحية الباسل والأوتوستراد، وبدأت أعمال حرق وتكسير وإطلاق نار، طالت سيارات ومحال تجارية وأكشاكاً لبيع المحروقات، ما أدى إلى إصابات بعضها خطير، وسط أنباء غير مؤكدة عن سقوط قتيل.

تدخلت القوات الأمنية على الفور، وانتشرت وحدات من الجيش وقوى الأمن الداخلي في الأحياء الجنوبية، وفرضت السلطات حظر تجول للسيطرة على التفلت ومنع امتداد التوتر. وتفيد مصادر محلية بوجود إطلاق نار متقطع وقلق من انتقال التوتر نحو مناطق أخرى تضم تجمعات من بدو حمص.

في خضم ذلك، تبرز دعوات واسعة لضبط النفس، والامتناع عن نشر التحريض والعبارات الطائفية، وسط قناعة عامة بأن ما جرى ليس مجرد حادثة معزولة، بل نتيجة مباشرة لفترات من الانفلات الأمني وارتفاع معدل الجرائم في المدينة خلال الأشهر الأخيرة، مع تراجع سيطرة الأجهزة الرسمية وتزايد الخطابات التحريضية.

الجريمة… ودلالاتها

الجريمة وما تبعها لم يُقرأ داخل حمص كعمل فردي، بل كتطور يحمل بصمات واضحة لاستهداف السلم الأهلي.

العبارات التي كُتبت بالدم داخل المنزل تشير إلى محاولة دفع الأهالي إلى رد فعل طائفي مباشر، وهي أساليب لطالما استخدمتها جهات تسعى لإحياء الانقسامات وجرّ السكان إلى مواجهة مفتوحة.

يرى الدكتور مجد عيون السود، المختص بالقانون الدولي، في حديث لمنصة سوريا 24، أن “ما حصل في حمص جريمة تهدف بوضوح إلى زعزعة الأمن وضرب الاستقرار الاجتماعي”، مؤكداً أن مسؤولية الدولة اليوم “تتمثل في ملاحقة اليد التي حاولت إشعال الفتنة في المجتمع السوري، بالتوازي مع دور وجهاء عشيرة بني خالد وبقية العشائر في احتواء غضب الشارع”.

ويشير إلى أن المجتمع السوري في مرحلة “تستوجب لغة العقل والحكمة”، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه البلاد.

من المستفيد من الفوضى؟

لا يمكن فصل ما يحدث في حمص عن المشهد السوري العام، وبحسب الصحفي الحمصي أحمد حاميش، فإن المدينة “تحولت خلال السنوات الأخيرة، بفعل سياسات النظام، إلى ساحة تُستخدم فيها التوترات والانقسامات كأدوات ضغط ونفوذ”.

ومن خلال متابعة التطورات، يحدد حاميش في حديث لمنصة سوريا 24، عدة أطراف مستفيدة من استمرار الفوضى، داخلياً وخارجياً، ضمن ثلاثة مستويات:

المستفيدون داخلياً

يرى حاميش أن بقاء الفوضى يخدم قوى محلية متعددة، كلٌّ وفق موقعه: مجموعات “قسد” شرق سوريا، التي تعمل على تكريس واقع أمني مستقل عن مؤسسات الدولة.

مجموعات الهِجري المسلحة في السويداء، التي تسعى لفرض سلطة أمر واقع تزداد قوتها كلما تراجع نفوذ الدولة المركزية.

فلول النظام وأجهزته القديمة، التي طالما استفادت من بيئة مضطربة تبرر إعادة تفعيل أدواتها الأمنية، وتُظهر الحاجة إلى القبضة الحديدية.

وهذه الأطراف، رغم تباينها، تشترك في قناعة أن استمرار التوتر يمنحها مساحة أكبر للمناورة والظهور كـ”قوى ضرورة” في مشهد مضطرب.

المستفيدون خارجياً

يشير حاميش إلى أن الصراع السوري لم يعد شأناً محلياً منذ سنوات، وأن الفوضى في مدينة مركزية مثل حمص ترتبط مباشرة بتوازنات إقليمية، أبرزها:

• حزب الله اللبناني، الذي يعتبر سوريا عمقاً استراتيجياً، ويرى في استمرار الاضطراب عاملاً يمنع قيام سلطة سورية مستقرة لا تخدم مصالحه.

• إيران، التي تستغل أي فراغ أمني لتعزيز حضورها العسكري والاجتماعي في المنطقة.

• إسرائيل، التي رأت في الانقسام السوري فرصة لإضعاف الجبهة الشمالية وتحويل سوريا إلى ساحة مستنزفة، بعيدة عن تشكيل تهديد استراتيجي.

ورغم اختلاف هذه الأطراف في مصالحها، إلا أنها تلتقي عند نقطة واحدة: إبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة يخدم كلاً منها بطريقته.

اقتصاد الفوضى

ولا يمكن تجاهل الدور المتنامي لشبكات التهريب والسلاح والاقتصاد غير النظامي، التي تنشط وتتوسع في بيئة مضطربة.

وهذه الشبكات، حسب حاميش، ووفقاً للدكتور مجد عيون السود، ترتبط غالباً بجهات نافذة، وهي من أكبر المستفيدين من أي انهيار أمني لأنها تعمل خارج الرقابة وتستفيد من الغياب المؤسسي.

حمص: نموذج لا حالة معزولة

ويجمع الأهالي في حمص على أن ما يحدث في مدينتهم ليس حدثاً محلياً، بل جزءاً من سلسلة توترات تمتد على كامل الجغرافيا السورية، وأي خلل في مدينة مركزية وحساسة مثل حمص ينعكس مباشرة على باقي المدن، ويُقرأ داخلياً وخارجياً على أنه مؤشر على عمق هشاشة الوضع السوري، إذ إن فوضى حمص هي انعكاس لفوضى سوريا، وفوضى سوريا تعيد إنتاج ما يجري في حمص.

مقالات ذات صلة