تعيش بلدة دير سلمان في الغوطة الشرقية اليوم حالة من الإنهاك الخدمي والمعيشي، بعد عودة الأهالي المهجّرين إليها، فالشوارع المحفّرة، وشبكات الصرف الصحي المتداعية، وانقطاع الكهرباء والمياه، وانعدام الاتصالات في أجزاء واسعة من البلدة، تُشكّل ملامح يومية لواقعٍ قاسٍ ما يزال الأهالي يحاولون التكيّف معه.
خدمات غائبة وعبء يومي على السكان
يقول أحمد عبد الرحيم، أحد أبناء البلدة، في حديثه لـ”سوريا 24“:
“ما زال الوضع كما لو أن الحرب لم تغادرنا. كل ما نحتاجه لتسيير حياتنا اليومية نعتمد فيه على جهودنا الذاتية، لكن الناس فقدوا الكثير من قدراتهم، ومعظمهم مرهقون اقتصادياً أو ما زالوا نازحين”.
من جهته، يوضح رئيس البلدية محمد حلاوة جزءاً من التحديات الحالية، قائلاً: “نسبة العائدين تصل إلى نحو 75%، لكن الكثير من الأهالي لا يستطيعون العودة بسبب الدمار الواسع للمنازل”.
ويضيف: “العائلات التي كانت تضم شابين أو ثلاثة خرجوا جميعاً أثناء التهجير، واليوم عاد كل شاب مع عائلته، ما ضاعف الحاجة إلى بيوت جاهزة وخدمات غائبة”.
ويشير حلاوة إلى أن “هناك عائلات ما تزال في الشمال السوري مرتبطة بأعمالها، وأخرى في الأردن نتيجة ظروف الدراسة أو اللجوء”.
أما عن الخدمات العامة، فيكشف أن البلدة تمتلك مركزاً صحياً مجهزاً لكنه بلا كادر طبي، إضافة إلى أربع مدارس، ثلاث منها بوضع جيد، بينما تحتاج الرابعة إلى ترميم بسيط في الأبواب والنوافذ.
جهود محلية تصارع الفقر
في غياب أي دعم حكومي أو تنظيمي، يعتمد الأهالي على مبادرات محلية صغيرة لإعادة ترميم حياتهم. إلا أن هذه الجهود تصطدم بواقع اقتصادي منهك، بسبب نزوح نسبة كبيرة من أبناء البلدة إلى الشمال السوري أو خارج البلاد، ما أدى إلى تراجع القدرة المالية على إعادة الإعمار، وترك دير سلمان معلّقة بين الحاجة والأمل.
من حاضرٍ مثقلٍ بالعجز… إلى ماضٍ كان مزدهراً
قبل عام 2011، كانت دير سلمان واحدة من أبرز بلدات الغوطة الشرقية الزراعية. بلغ عدد سكانها نحو خمسة آلاف نسمة، وفق إحصاء 2010، واعتمدت حياتهم اليومية بشكل كامل على زراعة الأشجار المثمرة التي شكّلت هوية اقتصادية واجتماعية للبلدة.
ومع انطلاق الثورة السورية، شارك أهالي البلدة في المظاهرات السلمية داخل دير سلمان والقرى المجاورة، ما جعلها مبكراً في دائرة الاستهداف العسكري. توالت عمليات القصف، وسقط أول الشهداء والجرحى، لتدخل بعدها البلدة في سنوات طويلة من الحصار والدمار.
مجزرة 13 تشرين الثاني 2012
في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وثّقت دير سلمان واحدة من أكثر محطات القصف دموية. فقد أدّى استهداف الطيران الحربي للبلدة إلى استشهاد تسعة مدنيين، معظمهم من النساء والأطفال.
ومع تصاعد حدّة المعارك لاحقاً، تجاوز عدد شهداء البلدة 500 شهيد، لتصبح من أكثر بلدات الغوطة الشرقية تقديماً للتضحيات.
عقب دخول قوات النظام السوري إلى البلدة، تعرّضت دير سلمان لعمليات تدمير واسعة شملت هدم العديد من المنازل المدنية، وقطع وتجريف آلاف الأشجار المثمرة، فيما اعتبره الأهالي سياسة انتقامية هدفت إلى طمس هوية البلدة الزراعية وضرب اقتصادها المحلي.
بعد اتفاق التهجير عام 2018، لم تكن العودة سهلة، فقد خضع الأهالي لإجراءات أمنية مشدّدة، وتكررت المداهمات، ما جعل العودة محفوفة بمخاوف إضافية فوق الضغط المعيشي والخدمي.
اليوم، تحاول دير سلمان استعادة شيء من ملامحها، لكن غياب الخدمات الأساسية، وتراجع القدرة الاقتصادية، والإهمال الممتد منذ سنوات، تجعل المسار طويلاً وثقيلاً.
وبين حاضرٍ يتشبّث الناجون بإصلاحه، وماضٍ ما يزال يثقل الذاكرة، تقف البلدة شاهداً على ثورةٍ شاركت فيها مبكراً، وتضحياتٍ كبيرة قدّمتها، وإهمالٍ قاسٍ أعقب التهجير.









