فاطمة من الرقة.. طفلة تتخطى التوحد وترسم طريق الإبداع

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - سوريا 24

ترسم رحلة الطفلة فاطمة من مدينة الرقة مع طيف التوحد صورة نادرة للإصرار الأسري وقدرة الفن على فتح أبواب جديدة أمام الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. فبينما فقدت العائلة في البداية خطوط الدعم المتاحة، استطاعت تحويل التحديات إلى دافع للعمل، لتُصبح فاطمة اليوم نموذجًا صغيرًا لقصص النجاح التي تولد من قلب الصعوبات.

بدأت الحكاية حين لاحظ والدها محمود غالب ووالدتها تغيرات في سلوكها خلال عامها الأول، ليتم تشخيص إصابتها بطيف التوحد في عمر سنة ونصف. ورغم طمأنة الفحوصات الطبية وصور الرنين المغناطيسي – التي أكدت سلامة دماغها – فإن تشخيص التوحد مثّل منعطفًا مهمًا دفع الوالدين للبحث عن طرق غير تقليدية لدعم ابنتهما، خصوصًا مع غياب المراكز المتخصصة في منطقتهم خلال سنوات الحرب.

اعتمدت الأسرة على التعلم الذاتي عبر الإنترنت، وجمعت مصادر ودراسات وتجارب عملية ساعدتها على وضع برنامج تدريبي منزلي لفاطمة. ركز البرنامج على تعليمها القراءة والكتابة وتنشيط قدراتها المعرفية، حتى تمكنت من تعلم العربية والإنجليزية وكتابة الكلمات بدقة. وبينما كانت الأسرة تبحث عن وسائل جديدة لدعمها، بدأت موهبتها في الرسم بالظهور تدريجيًا، وتحديدًا بين الخامسة والسادسة من عمرها.

كانت تلك اللحظة نقطة تحول، إذ وجدت فاطمة في الرسم ملاذًا للتعبير وصوتًا بصريًا يعوض محدودية تواصلها اللفظي. رصد والداها تطور رسوماتها المستوحاة بشكل كبير من أفلام الكرتون، ولاحظا قدرتها على محاكاة التفاصيل بدقة فنية لافتة. وساعدت والدتها، وهي فنانة تشكيلية، في تدريبها على استخدام الألوان وتطوير خياراتها الفنية، بينما لعب والدها دور الداعم التقني والنفسي.

ومع تعمّق اهتمامها بالفن، بدأت فاطمة تظهر فضولًا تجاه النحت كذلك. فخلال مرافقتها والدها أثناء عمله على بعض المنحوتات اليدوية، بدأت تشاركه أدواته وتقلد حركاته، في مؤشر واضح على شغف جديد آخذ في النمو. تقول العائلة إن هذا الاهتمام قد يشكل مستقبلًا بحد ذاته، وإنها تستعد لتعليمها مبادئ النحت بشكل احترافي.

ورغم الجهد الهائل الذي بذلته الأسرة، حاولت أيضًا الاستفادة من خدمات متخصصة عند توفرها. فقد التحقت فاطمة قبل عام بمركز يعنى بحالات التوحد، حيث تلقت جلسات تأهيل ساعدتها على التكيف والاندماج داخل بيئة تعليمية مختلفة. لكن عدم قدرة المركز على توفير النقل جعل استمرارها أمرًا صعبًا، مما دفع الأسرة للعودة إلى التدريب المكثف داخل المنزل.

اليوم، باتت العائلة تنظر إلى موهبة فاطمة على أنها نافذة أمل تتسع يومًا بعد يوم. وتخطط لإقامة معرض خاص يضم رسوماتها وأعمالها الفنية، ليكون خطوة أولى في تعريف المجتمع بإبداعها وتشجيعها على تطوير مهاراتها. فاطمة، التي واجهت التوحد في سنواتها الأولى، تُثبت يومًا بعد آخر أن الفن قادر على تحويل التحديات إلى طاقة مضيئة، وأن الدعم الأسري يمكن أن يصنع فارقًا حقيقيًا في مسيرة طفل يحتاج الكثير من الصبر والقليل من المعجزات.

مقالات ذات صلة