في قلب مدينة الرقة القديمة، يواصل الحاج عبد العزيز العبد — شيخ الميكانيكيين وصاحب الزي العربي التقليدي — مسيرته المهنية رغم تجاوزه الخامسة والسبعين. منذ بداياته في ستينيات القرن الماضي، رسّخ مكانته واحدًا من أبرز خبراء المحركات الثقيلة ومضخات الآبار الارتوازية في المحافظة.
وُلد عبد العزيز عام 1950، وبدأ طريقه نحو الميكانيك بدافع الشغف والموهبة. عمل لسنوات طويلة في إصلاح المحركات الكبيرة مثل سكانيا وفولفو ومرسيدس، ويستعيد تلك المرحلة قائلًا إنه أتقن التعامل مع مختلف أنواع المحركات الزراعية والصناعية التي كانت تُستخدم في الري في تلك الفترة.
ومن أبرز ما يفاخر به أنه كان الخبير الوحيد في محافظة الرقة القادر على إصلاح وإخراج مضخات الآبار الارتوازية من أعماق تتراوح بين 150 و200 متر، موضحًا أنه تولّى هذه المهام داخل المحافظة وخارجها، في وقت لم يكن غيره يمتلك القدرة الفنية على تنفيذها.
ويروي مسار تطور الصناعة في الرقة منذ بداياتها البسيطة، بدءًا من الورش الأولى في شارع تل أبيض قرب السجن القديم، ثم انتقالها إلى شارع عبد الملك، وصولًا إلى انتشارها شرق المدينة. ويشير إلى أن الصناعة تغيّرت جذريًا مع دخول التقنيات الحديثة واعتماد الأنظمة الإلكترونية، مؤكدًا أن الفارق بين الماضي والحاضر كبير، مع سيطرة البرامج والأنظمة الرقمية على أغلب أعمال الصيانة اليوم.
ورغم إدراكه لتراجع قدرته الجسدية مع تقدّم العمر، لا يزال الحاج عبد العزيز يمارس المهنة بحكمة، مقتصرًا على الأعمال التي يستطيع إنجازها دون مشقة. ويؤكد أنه اختار هذا الأسلوب حفاظًا على صحته واستمرارًا في ممارسة ما يحب، بعد أن أمضى سنوات طويلة يدير ورشة يعمل فيها عشرة صُنّاع، مستأجرًا ثلاثة محلات كانت تُعد من أكبر ورش المنطقة في ذلك الوقت.
ويختصر علاقته بالمهنة بتعبير يؤكد عمق ارتباطه بها، إذ يرى أن الميكانيك ليست مجرد حرفة، بل شغف يرافقه منذ شبابه ويمثّل جزءًا من شخصيته وهويته المهنية.
وفي رسالته إلى الجيل الجديد، يشدّد على أهمية التمسك بالعمل الحرفي وعدم التخلي عنه بسهولة، معتبرًا أن الإتقان والالتزام هما أساس النجاح، وأن الحرفي الحقيقي يبقى وفيًّا لمهنته مهما تغيّرت أدوات الزمن.
إن سيرة الحاج عبد العزيز العبد ليست مجرد قصة حرفيٍّ مخضرم، بل نموذجٌ لإرادة قوية جمعت بين الخبرة والحكمة والشغف، وتركت بصمتها على تاريخ الميكانيك في مدينة الرقة.









