شهدت العاصمة السورية دمشق حدثاً لافتاً يوم الخميس الماضي، تمثل في وصول وفد من مجلس الأمن الدولي، في أول زيارة من نوعها منذ عام 2011.
واستهل الوفد جولته بزيارة مواقع تاريخية في دمشق القديمة، شملت الجامع الأموي وفندق “بيت الوالي” في باب توما، قبل أن يصعد إلى قمة جبل قاسيون برفقة وزير الخارجية السوري، ويختتم تحركه الميداني بزيارة حي جوبر للاطلاع على حجم الدمار الذي خلفته سنوات الحرب في واحد من أكبر الأحياء المدمرة حول العاصمة.
ورافق الوفد خلال جولته مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، ونائبة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، نجاة رشدي، في إطار تنسيق أممي موسع يعكس حجم الاهتمام الدولي المباشر بالملف السوري.
دمشق: “لحظة تاريخية” وإشارة إلى مرحلة جديدة
وصف وزير الخارجية والمغتربين السوري، أسعد الشيباني، الزيارة بأنها “لحظة تاريخية” تمهد لإعادة بناء الثقة بدعم المجتمع الدولي للشعب السوري.
وبحسب تعبيره، فإن انتقال الحضور الأممي من قاعات المفاوضات إلى الميدان السوري بعد سنوات من الانقطاع يحمل دلالات سياسية تتجاوز الطابع البروتوكولي، ويؤسس لمرحلة مختلفة من التعاون مع المؤسسات الدولية.
قراءة في الدلالات: ماذا تعني الزيارة؟
قال الدكتور سمير العبد الله، الباحث في المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة، في حديث لمنصة سوريا 24: “تمثل هذه الزيارة رمزية عالية الأهمية من حيث توقيتها، إذ تأتي في ذكرى تحرير سوريا، وفي سياق سياسي تسعى فيه البلاد إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية بما يعكس رغبتها في التحول إلى شريك فاعل ومتفاعل في النظام الدولي، بعد سنوات طويلة كانت فيها دولة منبوذة نتيجة سياسات النظام السابق”.
وتابع: “وتبعث الزيارة برسالة مفادها أن سوريا الجديدة تطمح إلى فتح صفحة مختلفة تقوم على الانفتاح والدبلوماسية وبناء التحالفات”.
ومع ذلك، تبقى النتائج المباشرة للزيارة محدودة في المدى القريب، نظرا لطابعها الرمزي أكثر من كونها تفاوضية أو تفاهمية. كما أن مجلس الأمن — في تركيبته الحالية — يتخذ موقفا داعما لسوريا في مرحلة الانتقال، فهي خطوة ضمن إطار بناء صورة دولية جديدة، أكثر منها أداة لتحقيق مكاسب دبلوماسية فورية، حسب تعبيره.
زيارة استثنائية ونادرة
قدم عبد الباسط أبو نبوت، الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، قراءة موسعة لأبعاد هذا التحرك الأممي، مؤكدا في حديثه لمنصة سوريا 24 أن الزيارة “استثنائية ونادرة”، ولا تتم إلا للدول التي تمر بنقطة تحول تاريخية.
وقال أبو نبوت: “من المعروف أنها زيارة استثنائية نادرة، لا تتم إلا للدول المميزة أو الدول التي حصلت على فرصة بعد سقوط النظام. مثلا، كل العالم الآن يعطي سوريا فرصة جديدة للانطلاق”.
وأوضح أن المجتمع الدولي ينظر إلى المرحلة الحالية في سوريا على أنها بداية لفرصة سياسية جديدة تتطلب دعما دوليا وإقليميا واسعا، مضيفا: “الحكومة الحالية والحكومة الانتقالية تحتاجان إلى أكبر دعم ممكن عالمي وإقليمي ودولي، لذلك تجد مجلس الأمن، الذي كان مشغولا طوال عقد ونصف من الزمن في مشاكل الصراعات والحرب في سوريا، يعود اليوم للحضور مباشرة”.
وأشار أبو نبوت في حديثه إلى الدور التاريخي الذي لعبه مجلس الأمن خلال سنوات النزاع، سواء عبر لجان التحقيق أو القرارات المتعلقة بالهدن والعمليات السياسية، قبل أن ينتقل اليوم إلى متابعة مرحلة “السلام والاستقرار”، على حد وصفه.
وتابع مؤكدا أن الأمن في سوريا يرتبط بأمن المنطقة بأكملها، قائلا: “أمان سوريا من أمان الخليج، وأمان الخليج من أمان سوريا… وأمان العراق ولبنان وتركيا كذلك، لذلك تجد هذا الحرص الدولي على تثبيت الأمن والاستقرار ودعم الحكومة الحالية”.
رسائل مزدوجة ومحددات المرحلة المقبلة
يرى أبو نبوت أن الزيارة تحمل رسائل مزدوجة للداخل والخارج، مشيرا إلى أنها رسالة دعم للحكومة الحالية باعتبارها، وفق تعبيره، حققت “إنجازات خلال سنة في تثبيت الأمن والاستقرار ودعم عملية الانتقال السياسي”، ورسالة إلى الدول الفاعلة في الملف السوري بأن المجتمع الدولي يتجه نحو مقاربة جديدة تتجاوز سنوات الحرب.
ووضع أبو نبوت الزيارة في إطار أوسع يتعلق بإعادة تقديم الملف السوري كقصة نجاح محتملة للأمم المتحدة ومجلس الأمن. وقال: “هذه التجربة السورية ستكون مثالا ربما لباقي الملفات في العالم. مجلس الأمن يريد أن يعيد تبييض صورته بعد عقود من تعثر تطبيق القانون الدولي… ويقدم قصة النجاح السوري كملف استطاع فيه أن يترك بصمة واضحة”.
ووسط كل ذلك، تُظهر زيارة وفد مجلس الأمن الدولي إلى سوريا بعد 14 عاما من الانقطاع تحولا واضحا في طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع الملف السوري، إضافة إلى أن الرسائل التي حملتها الجولة الميدانية في دمشق، والتصريحات المرافقة لها، تؤسس لمرحلة سياسية دبلوماسية مختلفة قد تشهد حضورا أمميا مباشرا في ملفات الإصلاح والعدالة والاستقرار، وسط توقعات بأن تكون هذه الزيارة نقطة انطلاق لتحركات دولية أوسع في الفترة القادمة.








