مع حلول الذكرى السنوية الأولى لـ”يوم التحرير” في 8 كانون الأول 2024، اليوم الذي شهد سقوط نظام بشار الأسد السابق وفراره إلى موسكو، تتجه أنظار أهالي حمص وريفها إلى استذكار مسارٍ متسارعٍ وحاسم، بدأ بانعطاف عسكري حاسم في اليوم العاشر من الحملة الكبرى، وانتهى بتحرير المدينة عشية سقوط النظام السابق.
وإذا كانت الذكرى تُحيى اليوم في أجواء فرح وطني، فإن أهالي الريف الشمالي بحمص يحرصون على تذكر كيف حوّل اليوم العاشر من معركة ردع العدوان مسار المعركة رأسًا على عقب، ليصبح تحرير حمص مسألة وقت لا مسألة إمكانية.
لحظة الانعطاف الاستراتيجي
وعشية سقوط نظام الأسد السابق، أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” السيطرة الكاملة على مدينتي تلبيسة والرستن، وتحرير معظم ريف حمص الشمالي في عملية نوعية استمرت ساعات، تخللها انسحاب فوضوي لقوات نظام الأسد من مواقعها الحصينة، بعد انهيار متتالٍ في خطوط التماس.
ووصلت وحدات المقاتلين إلى مسافة 3–5 كيلومترات فقط من أطراف مدينة حمص في جبهات الزعفرانة والدار الكبيرة، ما شكّل أولى حلقات الحصار الاستراتيجي على المدينة من الشمال.
وشملت المناطق المحررة في ذلك اليوم والأيام السابقة مباشرة: الزعفرانة، دير فول، تيرمعلة، الغنطو، المجدل، الغاصبية، المكرمية، السعن، الدار الكبيرة، وهي قرى ومدن كانت على مدى سنوات جزءًا من خط المواجهة الأول، وعاشت أقسى أنواع الحصار والقصف.
الغارات الروسية: محاولة يائسة لكبح الزخم
لم تكن السماء غائبة عن المعركة، فقد نفذت طائرات روسية حربية تسع غارات مركزة على جسر الرستن، الممر الحيوي على طريق M5 الرابط بين حماة وحمص، في محاولة لقطع خطوط إمداد المقاتلين.
كما شنت طائرات النظام السابق غارات كثيفة باستخدام صواريخ فراغية وقنابل عنقودية على تلبيسة والرستن، في جرائم حرب وثقتها فرق الرصد الميداني.
وأسفر القصف العشوائي عن مقتل ستة مدنيين من عائلة واحدة في تلبيسة، بينهم طفلان، في مشهد أثار غضبًا شعبيًا واسعًا، وعزز تصميم الأهالي على دعم المقاتلين وتقديم الموارد المحلية من غذاء ووقود ومأوى.
“شاهين”: السلاح الحاسم وتحول موازين القوة
في المقابل، تمكنت “إدارة العمليات العسكرية” من استهداف تجمعات لآليات وعناصر النظام على طريق حماة–حمص، باستخدام طائرات مسيّرة من نوع “شاهين”، التي أثبتت فعاليتها في تحييد المدفعية الثقيلة ومراكز القيادة الميدانية.
وباتت هذه الطائرات، المصنّعة محليًا بدعم من كفاءات هندسية وطنية، رمزًا للاعتماد على الذات، وعاملًا محوريًا في تغيير موازين القوة لصالح قوات التحرير.
وبعد التقدم السريع، انسحبت قوات النظام من مواقع شمالي حمص باتجاه الساحل، في محاولة لحماية ما سمته “الخاصرة الأساسية” – أي مثلث طرطوس–اللاذقية–جبلة – حيث تتركز القيادة الأمنية والعسكرية المتبقية، والموانئ التي تُستخدم لاستقبال الدعم اللوجستي.
نداءٌ أخير: “هذه فرصتكم للانشقاق”
في لحظة تاريخية، أعلن الناطق باسم “إدارة العمليات العسكرية”، المقدم حسن عبد الغني، من مدخل الرستن: “حررت قواتنا آخر قرية على تخوم مدينة حمص، وباتت على أسوارها. من هنا، نوجه النداء الأخير لقوات النظام: هذه فرصتكم للانشقاق، قبل أن تُغلق الأبواب نهائيًا”.
النداء شكّل نقطة فاصلة، حيث تحوّل الطريق الدولي M5 بين حماة وحمص من شريان ربط الساحل بالعاصمة، إلى خط إمداد مفتوح لقوات التحرير، وأصبحت حمص، عمليًا، مدينة محاصرة من الشمال والوسط، تتهاوى دفاعاتها تباعًا تحت ضغط الميدان والشارع والانشقاقات.
ذكرى التحرير: فرح لا يُنسى ودموع لا تنضب
اليوم، يعود أهالي حمص إلى استذكار تلك الأيام بخليط من الفخر والوجع.
يقول الناشط الإنساني نصّال العيكيدي في حديث لمنصة سوريا 24: “يوم التحرير هو يوم خلاصنا من الطاغية، من نيرون العصر – بشار الأسد – نعيش فرحة لا يمكن وصفها بأي كلمات”. وتابع: “أبرز لحظة كانت دخولنا إلى حمص وعناق الأهالي فيما بينهم بعد سنوات من التهجير. كرامتنا ردت إلينا، شعورنا هو شعور ميت أحيي من جديد”.
ويشدّد على أن الدعم الشعبي للحكومة الانتقالية لا يعني الصمت: “نحن مع الحكومة وخلف الحكومة، حتى نصلح أخطاءها، نعدّل مسارها، نُشدّ على أيديها، ونمدّها بذراع العمل والمشاركة”.
من جهته، يضيف محمود سليمان من تلبيسة في حديث لمنصة سوريا 24: “يتجه أهالي تلبيسة والريف الشمالي عمومًا للاحتفال في الساحات العامة بعد صلاة الفجر يوم 8 كانون الأول”، مبينًا أنه منذ يوم أمس، بدأت الناس برفع أعلام الثورة على المنازل والطرقات، كما أن الساعة الجديدة في وسط مدينة حمص ستكون نقطة تجمع رئيسية”.
أما مراد سعد الدين من الرستن، فيتحدث في حديث لمنصة سوريا 24، عن مشاعر لا توصف: “الفرحة غير مسبوقة.
الدموع لا تزال تنهمر كلما شاهد أحدهم مقاطع الفيديو الأرشيفية لدخول المقاتلين إلى الرستن، ثم تحرير المدينة، ثم دخول حمص من ثلاث جهات في الساعات الأخيرة من 7 كانون الأول”.
ويذكّر الجميع بأن ليلة 7–8 كانون الأول 2024، لم ينم فيها أحد في حمص أو عموم سوريا، فكانت لحظات الترقب مثقلة بالأمل، وكل دقيقة تمر كأنها سنة، حتى الإعلان الرسمي عن فرار الأسد إلى موسكو، ثم انفجار الفرح في كل بيت حر.
في الذكرى الأولى، لا يحتفل أهالي حمص فقط بسقوط الطاغية، بل بإحياء ذكرى اللحظة التي قرر فيها الشعب أن يكون سيد مصيره، حين اختار المقاومة لا الاستسلام، والوحدة لا الفرقة، والبناء لا الانتقام.
وما يحدث اليوم في ساحات حمص وريفها، وفي ساحات سوريا عمومًا، ليس احتفالًا بالماضي فحسب، بل وعدًا بالمستقبل: سوريا حرة، موحدة، لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها.









