أعاد تسريب تسجيلات مصورة لرأس النظام الهارب، بشار الأسد، ولونا الشبل مساء أمس، إشعال الغضب في أوساط السوريين، ولا سيما بين أهالي الغوطة الشرقية، بعد ظهوره وهو يتهكم على المساجد والفقراء، ويطلق شتائم بحق السكان، في مشهد وصفه ناشطون بأنه “تكثيف لحقد طالما مارسه فعليًا بالقصف والاعتقال والتجويع”.
في أحد المقاطع، ظهر مسجد الروضة في بلدة دير سلمان بالغوطة الشرقية، بينما كان الأسد يسخر من الإنفاق على بناء المساجد رغم فقر الأهالي، في مفارقة أثارت سخطًا واسعًا، خصوصًا أن الغوطة كانت إحدى أكثر المناطق استهدافًا من قبل قواته، حيث قُصفت المساجد ودور العبادة منذ الأيام الأولى للثورة.
أهالي الغوطة اعتبروا أن ما ظهر في التسريب “ليس جديدًا”، بل مجرد تأكيد إضافي على حجم العداء الذي حمله النظام للمنطقة التي صمدت لأعوام في وجهه ودفع أبناؤها أثمانًا باهظة.
رئيس بلدية دير سلمان: الغوطة كانت كابوسًا يلاحق الطاغية
رئيس بلدية دير سلمان، محمد حلاوة، قال لـ”سوريا 24” إن التسريبات “لا تكشف سرًا، بل تفضح ما كنا نعرفه جيدًا منذ اليوم الأول”.
وأضاف: “لطالما مثّلت الغوطة الشرقية، ومن ضمنها بلدتنا دير سلمان الصامدة، خط الدفاع الأول ونقطة الارتكاز الأقوى في وجه الاستبداد. أبناؤنا الأبطال، بعزمهم الذي لا يلين، كانوا كابوسًا يلاحق الطاغية في نومه ويقظته”.
وتابع: “حين أظهرت اللقطات المسربة الأخيرة حقده الدفين، تأكدنا أننا كنا نسير في الاتجاه الصحيح. لكن الرد الأعظم جاء من الميدان: ثوارنا أوفوا بوعدهم حتى النهاية”.
وختم: “هرب قبل أن تطأ أقدام الأحرار قصره. وهذا الفرار شهادة انتصار على إرادته المنكسرة. المجد لشهدائنا، والعزة لأبناء دير سلمان والغوطة”.
وخلال متابعة سوريا 24 لردود أهالي الغوطة، قابلنا الشيخ علي دندل، أحد أوائل ثوار بلدة دير سلمان، الذي قال إن التسريبات لم تفاجئ أحدًا ممن عاشوا حقيقة بطش النظام.
وأضاف الشيخ دندل: “نحن، بفضل الله، عندما عدنا إلى البلدة بعد سنوات الحصار والقصف، كان أول ما بدأنا بإعادة بنائه هو المساجد والمدارس، قبل أن نفكر حتى بترميم بيوتنا. وإذا كنا قد أنفقنا على المسجد وبنيناه بالرخام، فنحن نذكره بأنه هو من نهب البلاد ودمرها، وأنفق الملايين على تماثيله وتماثيل وأصنام والده المجرم”.
وتابع: “هو يتحدث عن الإنفاق على بيوت الله، بينما هو من سرق خيرات البلد وفرّ بها إلى روسيا، أما دير سلمان والغوطة فباقية، وهو من مضى إلى مزابل التاريخ”.
ويختم بالقول: “المسجد الذي دمره النظام بالجرافات والدبابات يُعاد بناؤه اليوم بأفضل حال، ويتم تشييده على أكمل صورة، بفضل جهود أبناء البلدة الذين ما زالوا يؤمنون بأن إعمار الروح يبدأ من إعمار بيوت الله”.
دير سلمان… بلدة زراعية تحولت إلى رمز للصمود
قبل عام 2011، كانت دير سلمان إحدى أبرز بلدات الغوطة الشرقية الزراعية، ويبلغ عدد سكانها نحو خمسة آلاف نسمة وفق إحصاء 2010. اعتمدت حياتهم على زراعة الأشجار المثمرة التي شكلت هويتها الاجتماعية والاقتصادية.
ومع انطلاق الثورة، شارك الأهالي في المظاهرات السلمية داخل البلدة والقرى المجاورة، لتدخل سريعًا دائرة الاستهداف العسكري. تتابعت عمليات القصف، وسقط أول الشهداء، ثم دخلت البلدة في حصار طويل أنهك سكانها.
الغوطة كسرت الأسد… واليوم يعترف بنفسه
الإعلامي سمير طاطين، من أهالي سقبا، قال لـ”سوريا 24” إن التسريبات الأخيرة كشفت حقيقة ظل الأهالي يروونها لسنوات.
وأضاف: “عندما علم بسقوط سقبا، خرج الفأر مسرعًا ليذهب إلى الغوطة التي كسرته وأحرقته وقهرته، ليحتفل فوق دماء أبنائها وشبيحته”.
وتابع: “سقبا وحرستا ودوما وعربين وزملكا وجوبر وكفربطنا والمرج… الغوطة شبرًا شبرًا كانت عصية عليه. كنا نقول هذا سابقًا ويعتقد البعض أننا نبالغ. واليوم هو يعترف بتلك الهزيمة”.
وأشار طاطين إلى أن التسريبات “توجب على الموالين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وإنما وقفوا خوفًا أو جهلًا، الاعتذار من أهاليهم وجيرانهم، والابتعاد عن الشاشات حتى يعفو الشعب عنهم”، أما المتورطون فمصيرهم “العدالة الانتقالية”.
ووصف التسريبات بأنها “أهم عمل صحفي أنجزته لونا الشبل، ولو بشكل غير مقصود”، معتبرًا أن “العربية الحدث تفوقت حتى على الإعلام السوري الرسمي في كشف حقيقة النظام”.
وأضاف أن الأسد كان قد عبّر في بداية الثورة عن استغرابه من خروج مدينة سقبا ضده، لأنه كان يعتقد أنها مدينة صناعية لن تنتفض، قبل أن يتبين له أن الكرامة أهم من المال.
زيارة 2018 تعود إلى الأذهان
أعادت المقاطع المسربة التذكير بمشهد زيارة الأسد للغوطة في مارس/آذار 2018، حين دخل المنطقة وسط حراسة مشددة بعد حملة القصف الأعنف التي شهدتها.
بالنسبة للأهالي، لم تكن تلك الزيارة سوى “استعراض فوق الركام”، فيما تأتي التسريبات اليوم لتكشف، بحسب تعبيرهم، “ما كان يقال في الغرف المغلقة ويُنفذ على الأرض”.









