أجراس معلولا تُقرع من جديد.. محاولات للتغلب على الدمار

Facebook
WhatsApp
Telegram

شهم آرفاد - سوريا 24

تعيش بلدة معلولا بريف دمشق الشمالي مرحلة من التحوّل الهادئ بعد سنوات طويلة من الحرب والدمار. فالمشهد الحالي يعكس مزيجًا من الاستقرار الأمني والتحديات المعيشية، حيث بدأ السكان العائدون بإعادة ترميم منازلهم وكنائسهم بأيديهم، وسط دعم محدود من المنظمات المحلية والدينية.
ورغم أن نسبة الدمار لا تزال تقارب 70% من أبنية البلدة، فإن الحياة بدأت تعود تدريجيًا، إذ تشهد معلولا حركة زوار متزايدة من داخل سوريا وخارجها، مدفوعة برغبة الناس في زيارة المدينة التاريخية واستعادة صلتهم بها بعد عقد من الغياب.

من عبادة الشمس إلى الأجراس الآرامية
تُعدّ معلولا من أقدم المدن المأهولة في الشرق الأوسط، إذ يعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، ومرّت عبر مراحل روحية متعاقبة بدأت بعبادة الشمس، ثم اعتناق المسيحية، وصولًا إلى الدين الإسلامي، ما جعلها نموذجًا فريدًا للتعايش الديني والثقافي.
قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، وحرب النظام البائد على الشعب السوري، كانت معلولا واحدة من أبرز المقاصد السياحية والدينية في سوريا، يقصدها الزوار لزيارة دير مار تقلا ودير مار سركيس وباخوس، ولسماع اللغة الآرامية التي ما زال بعض سكانها يتحدثونها حتى اليوم. وقد شكّلت حينها لوحة متكاملة تجمع بين التاريخ والإيمان والطبيعة.

من الازدهار إلى الحرب والدمار
غير أن هذا المشهد تبدّل مع انطلاق الثورة السورية، ومحاولة نظام الأسد إخمادها، إذ تحوّلت البلدة في عامي 2013 و2014 إلى ساحة للصراع، ولم تشفع المكانة التاريخية للمدينة في منع قصفها من قبل نظام الأسد بمئات الصواريخ، ما أدى إلى دمار واسع في الأبنية والأديرة، وتسبّب في نزوح معظم سكانها لسنوات طويلة.

يقول عمر العمر، أحد أبناء البلدة الذين عادوا بعد التهجير، لموقع “سوريا 24″، إن النظام “قصف معلولا بالبراميل والصواريخ بذريعة محاربة المسلحين، لكنه في الحقيقة أراد إشعال فتنة بين الأهالي والثوار”.
وأوضح أن “غالبية السكان وقفوا إلى جانب الثورة ودفعوا الثمن تهجيرًا وتشريدًا”، مضيفًا أن عودته إلى البلدة بعد أكثر من عشر سنوات كانت “لحظة لا تُوصف من الفرح والراحة النفسية”.

العودة البطيئة ومحاولات الترميم
من جانبه، أوضح جورج إلياس أن “الدمار لا يزال كبيرًا، وهناك من بدأ بإعادة البناء، لكن كثيرين لا يملكون القدرة المالية”. وبيّن أن “الخدمات الأساسية مثل الخبز والماء متوفرة بشكل معقول، غير أن الكهرباء والمساعدات تبقى محدودة”.
وبرّر بطء عملية الترميم بـ”عدم التزام بعض المنظمات التي تكتفي بإجراء مسح دون متابعة فعلية”، لكنه في المقابل أشاد بـ”المنظمات المسيحية التي تعمل بجد وتقدّم دعمًا ملموسًا لإعادة ترميم المنازل والأديرة”.

من جهته، بيّن مختار البلدة إلياس تعلب أن معلولا “مدينة ضاربة في التاريخ، عمرها من العصر الحجري ومرّت بكل الديانات”، مشيرًا خلال حديثه لموقع “سوريا 24” إلى أن “الوضع الأمني اليوم أفضل بكثير مما كان عليه، والبلدة تشهد استقرارًا واضحًا وعودة متزايدة للزوار الذين يأتون للاستمتاع بجمالها وجوها المعتدل”.
وعلّل تحسّن الظروف بجهود الأهالي الذاتية وتعاونهم في أعمال الترميم رغم ضعف الإمكانيات وغياب الدعم الكافي من الجهات الرسمية.

ما بين الألم والأمل
ورغم قسوة ما مرّت به، رفضت معلولا أن تبقى تحت ركام الحرب. فقد عادت الأجراس لتقرع في أديرتها القديمة، وعاد الأطفال للّعب في أزقتها الحجرية التي لا تزال تفوح منها رائحة التاريخ.

يقول العمر في ختام حديثه إن “البلدة ما زالت تحتفظ بروحها القديمة، وأهلها مصممون على إعمارها مهما كانت الصعوبات”، متمنيًا أن “تتعافى سوريا كلها كما تتعافى معلولا، وأن يعود كل مهجّر إلى أرضه وبيته”.

مدينة الإيمان والذاكرة
اليوم، تُجسّد معلولا نموذجًا مصغرًا عن الصمود السوري والإرادة في النهوض من جديد. وبين جدرانها العتيقة تختلط رائحة البخور بتراب الجبال، ليبقى صوت أجراسها شاهدًا على أن الإيمان لا يُقصف، والذاكرة لا تموت، وأن الحياة، مهما انكسرت… تعود لتُزهر من جديد.

مقالات ذات صلة